أمازون أكبر مكتبة في فرنسا مع مطلع عام 2017
فولت
اقتحام عمالقة الشبكة الأمريكيين قطاع الثقافة والفنون أصبح حقيقة لا تنكر، لكن الجديد هو الانتصارات التي باتوا يحققونها يوما بعد يوم، آخرها كان لشركة التجارة الإلكترونية الأمريكية “أمازون دوت كوم”، التي ستصبح في غضون ثلاث سنوات أكبر مكتبة في فرنسا.
الخبر أعلن عنه مكتب دراسات اقتصادية مهم يدعى “إكزيفي ريسيرش” في دراسة بعنوان: “توزيع الكتب أمام تحديات الرقمي، آفاق 2017”. موقع إكزيفي يشرح أن الدراسة ارتكزت على واقع سوق الكتب وتطورات العرض والطلب في قطاع الكتاب. مما يعني أن أمازون انتصر في حربه على موزعي الكتب في فرنسا وهو الآن بصدد إحكام قبضته على سوق الكتب، مضعفاً منافسيه الفرنسيين كمجموعة محال لوكير ومجموعة محال لافناك لبيع الكتب والمنتجات الثقافية. لكن الخاسر الكبير حسب دراسة مكتب إكزيفي يبقى موزعو الكتب الصغار الذين يعملون مستقّلين والمعروفين بشبكة “ليبرار دو فرانس” حيث إن حصّتهم في سوق توزيع الكتب قد تقلصّت منذ دخول أمازون من 43 في المائة إلى أقل من 22 في المائة.
أصحاب المكتبات ضد أمازون
دخول أمازون سوق توزيع الكتاب في فرنسا لم يكن سهلاً، حيث ظلّ لسنوات ينشط دون الوصول لتحقيق أرباح، وقد تعرض منذ البداية لمقاومة كبيرة من قبل لوبي أصحاب المكتبات المستقلّين. علماً بأن هذه الفئّة تستحوذ منذ سنوات على حصّة الأسد في سوق توزيع الكتاب في فرنسا 43 في المائة هي الأعلى في أوروبا وتوظف نحو 14 ألف شخص وقد استفادت طويلا من قانون “لانغ” الذي يسُمى أيضا بقانون سعر الكتاب الموحد، الذي يلزم الموزعين بسعر موحد للكتاب. القانون لا يعد ساري المفعول في مجال التجارة الإلكترونية، وهو ما دفع نقابة أصحاب المكتبات لمهاجمة أمازون في القضاء بتهمة “المنافسة غير العادلة” (كونكورونس دي لويال)، لأنه يعرض بيع الكتب بأسعار أرخص من أصحاب المكتبات، إضافة إلى أنها دفعت الحكومة الفرنسية لملاحقة عملاق التجارة الإلكترونية بحجّة تهربه من دفع ضرائبه في فرنسا (200 مليون يورو) وأخيرا عبر قانون جديد يمنع أمازون من وضع تخفيضات على رسوم التسليم. لكن كل محاولات إضعاف أمازون باءت بالفشل، حيث استطاع هذا الأخير بفضل استراتيجية محكمة تنمية نشاطاته من بيع الكتب في بداياته، إلى بيع أقراص فيديو دي في دي والموسيقى إم بي 3، ألعاب الفيديو، برامج الحاسوب ولوحات “الكندل” للقراءة الرقمية. نقاط قوته: وفرة الكتب، سرعة التسليم والأسعار المنخفضة، إضافة للتقنية القوية للموقع التي تسمح بتخزين معلومات تفيد في توجيه مستعملي الموقع حسب أذواقهم الأدبية أو الموسيقية وهو ما لا يستطيع أصحاب المكتبات المستقّلة توفيره.
النتيجة: أرباح العملاق الأمريكي وصلت عام 2013 إلى 500 مليون يورو وهو يسيطر في فرنسا على أكثر من نصف سوق توزيع الكتب عبر الشبكة (الذي يصل 11 في المائة)، مع توقع ارتفاعه في المستقبل، على اعتبار التطور الذي يشهده أمازون في باقي دول العالم. فهو حاضر بقوة في ألمانيا أين يسيطر على 20 في المائة من سوق توزيع الكتب، 35 في المائة في بريطانيا و45 في المائة في الولايات المتحدة.
هجوم الناشرين والكتاب
السيناريو نفسه عرفته الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات خلت حيث تسبب دخول أمازون سوق توزيع الكتاب في إضعاف نشاط أصحاب المكتبات المستقلة. ينقل الناشر أندري شيفران مؤسس دار نشر “نيو برس” شهادته في كتابه المال والكلمات (دار نشر لا فابريك): “أمازون لم يعد يخفي نيّته في القضاء على أصحاب المكتبات وموزيعي الكتب الصغار وهي ليست تهديدات في الهواء، فقد وصل لأهدافه فعلاً في الولايات المتحدة، بسبب الإغراءات الكبيرة التي يقدمها والتخفيضات التي تصل إلى 40 في المائة على سعر الكتب. كثير من المكتبات الصغيرة اختفت، أذكر أن نيويورك كانت تضم منذ سنوات أكثر من 300 مكتبة لم يبق منها اليوم سوى 30.
كما نقلت صحيفة لوفيغارو ماقازين أخيراً خبرا عن أحد الروائيين الأمريكيين ويدعى جيمي كلارك، وهو أيضاً صاحب مكتبة في مدينة بوسطن الذي ناشد قراءه عدم اقتناء كتبه عبر موقع أمازون. الكاتب الأمريكي شرح في مدونته بعنوان (بليز دونت باي ماي بوك أون أمازون دوت كوم) أسباب هذه المبادرة: “هذه الشركة (أمازون) لا هم لها سوى حصد الأرباح، لا هي مهتمة بالفن ولا بالثقافة ولا أملك إلا أن أدافع عن أصحاب المكتبات الذين يحبون الكتب ويستحقون المساندة”. الكاتب الأمريكي جوناثان فرانزان (صاحب رواية فريدوم وكوريكشن) صب غضبه على موقع بيع الكتب العالمي في صفحات جريدة “ذي غارديان” البريطانية متهما إياه باستغلال الكتُّاب وإقحامهم في عملية استغلال العمال الذين يعملون في ظروف صعبة تحت ضغط مسؤولين لا يهتمون بشيء عدا الأرباح. الناشر جون ماركوس الذي عمل كأحد أعوان جيف بيزوس المدير العام لموقع أمازون في بداياته يروي على صفحات صحيفة نيو يوركر العلاقة التي جمعت أمازون بالناشرين: “في البداية الكل كان مرتاحاً لنشاط موقع أمازون: القرّاء كانوا متحمسين لفكرة اقتناء أي كتاب بسرعة ودون عناء التنقل لمكتبة قد لا تتوفر على المطلوب، ولكن شيئاً فشيئاً تبين أن أمازون يستغل الناشرين، حيث بدأ يطالبهم بمبالغ كبيرة جداً مقابل وضع كتبهم في الصفحة الأولى، ثم فقط مقابل وضع كتبهم في الموقع. ثم بدأ يحاول استمالة الكتُّاب لكي يتعاملوا معه مباشرة دون أن يمنحهم الامتيازات التي يمنحها الناشرون كالدفع تحت الحساب مثلا، مما يسمح للكاتب بالتفرغ لنشاطه. كل ما من شأنه أن يضيف قيمة للعمل الأدبي كمحاورة الكتُّاب مثلاً لا يهم أمازون لأن نظام الشركة كله مبني على منطق الربح والخسارة”.
والحل؟
يكتب إكزافيي كابودانو أحد مسؤولي نقابة أصحاب المكتبات الفرنسية (إف إل أس) في مقال نشر بصحيفة سلات بعنوان “أصحاب المكتبات ضد أمازون”: “من الغباء محاربة أمازون في ميدانه نحن لا نملك مهارته التجارية، الأجدر بنا أن نبرهن للقرّاء أننا وحدنا قادرون على نصحه وتوجيهه، فخلافاً لأمازون صاحب المكتبة يقدم خدمة: هو الوسيط بين الكاتب والقارئ أما أمازون فهو يبيع الكتب كما يبيع أي محل علب الزبادي”.
أما الكاتب بانجمان برتون الحائز على جائزة غونكور عن أولى رواياته “سوفاجون” فكتب في مقال بعنوان: هل وجب علينا فعلاً مقت أمازون؟ “أنا لا أفهم الهجوم الذي يتعرض له أمازون، إنه بالتأكيد نوع من النفاق، علماً بأن الفرنسيين يشترون مرة من اثنتين كتبهم عند أمازون. بدل أن نبكي على مصير المكتبات الصغيرة التي تختفي يوماً بعد يوم، الأجدر بنا التساؤل ماذا يمكن أن نفعله؟ ماذا لو أصبحت هذه الأماكن فضاءات حيةّ لا تهتم بالبيع فقط؟ أماكن يلتقي فيها الكتاب بقرائهم بانتظام تنظم فيها أمسيات نقدية وندوات مع المثقفين والأساتذة وورش للكتابة للصغار والكبار، لتعليم اللّغة أو الرسم، لماذا لا نعيد رسم ملامح هذه المهنة؟ كل شيء يتطور لماذا نقاوم التغييرات التي يفرضها التطور التكنولوجي بدل التكيف معها”. على أن التكيف قد يصعب مستقبلاً إذا ما نجح أمازون في فرض كتابه الرقمي ولوحة “الكندل” التي بدأ تسويقها يعرف تطوراً محسوساً.
اكتساح عملاق التجارة الإلكترونية لسوق الكتاب الورقي في فرنسا يحمل دلالات كبيرة، ولا سيما أن البلد معروف بحرصه على مؤسساته الثقافية العريقة وتقاليده القديمة كالمكتبات التي تنتصب في كل شارع. ويتوقع مزيد من النفوذ لأمازون وانتصار منطق السوق الذي يختصر العلاقة بين الكاتب والقارئ في بعض النقرات على موقع تجاري.