اللغة العربية والإنترنت.. إشكالية مثيرة للجدل – فولت

اللغة العربية والإنترنت.. إشكالية مثيرة للجدل

133

خالد وليد محمود
من الأمور ذات العلاقة بموضوع اللغة ودورها كعامل من عوامل تكوين الشعور القومي، هو الإعلام بشكل عام والإعلام الإلكتروني وتحديدًا الإنترنت بشكل خاص. فالإشكالية التي تدور حول علاقة اللغة العربية بوسائل الإعلام هي إشكالية يكتنفها الكثير من الجدل كما هو الحال بين وسائل الإعلام واللغات الأخرى بالعالم، ليس من حيث عدم وجود ترابط، ولكن من حيث التأثر والتأثير لكل منهما بالطرف الآخر، فاللغة كما يقول فاضل البدراني هي الوعاء الذي يحتضن المفهوم الإعلامي برمته، وإذا كان الحرف هو الأداة التي تتمكن من خلالها وسائل الإعلام مخاطبة جمهورها، فإن وسائل الإعلام تعد هي الأخرى الأداة التي من خلالها تتمكن أية لغة عالمية من نشر أساسيات العلوم المعرفية للناس أو المتلقين من جمهور حقول المعرفة المستهدفين في الرسالة الاتصالية.
إن الإعلام بإمكانه أن يكون عاملًا إيجابيًا، كما بإمكانه أن يكون عاملًا سلبيًا في موضوع نشر اللغة العربية و”محتوى اللغة العربية” وتعميم استخدامه. وقد استطاعت وسائل الإعلام أن تستخدم اللغة العربية وتعميم استخدامها كلغة مبسطة يفهمها الجميع بما في ذلك إلى حد بعيد الجمهور الواسع من الشعوب العربية، ومن حسن الحظ فإن هذه اللغة أصبحت شائعة متداولة في كل أنحاء الوطن العربي من المحيط للخليج. وقد كان لهذه اللغة أثرها الفعال في الاندماج الثقافي العربي وتعميم الثقافة وتيسير سبل الفهم العام في البلدان العربية.
أما سلبيًا، فقد لعب الإعلام الإلكتروني وشبكة الإنترنت دورًا مهمًا، إذ ساعدت على دخول عدد من المصطلحات والكلمات الأجنبية لا يستهان بها في التداول، كما أنها ساعدت على نشر الأخطاء في النحو والاستهانة في قواعد اللغة. وهي في بعض الأحيان ساعدت على نشر أخطاء وانحرافات لغوية في مجالات أخرى كالتراكيب وطريقة التعبير. ويرصد المتابعون شيوع الأخطاء اللغوية، وسهولة مزج العامية بالفصحى، وشيوع الاستعمال للألفاظ الأجنبية والمعاني الأجنبية عن طريق الترجمة الحرفية، من غير ضرورة ملحة. ولعل أبرز مظاهر ذلك ترجمة المصطلحات وطريقة التعبير الموجودة في لغات أجنبية حية كالإنجليزية والفرنسية ونشرها في الاستخدام. أضف إلى ذلك أن للإعلام ولشبكة الإنترنت تأثير سلبي على اللغة العربية، في ظل زحف طوفان المعلومات والخطر المفترض للعولمة، والصراع الحاصل حاليا بين اللغات العالمية من أجل البقاء، والتصادم بين اللغات القوية واللغات الضعيفة المهددة بالاندثار، حسب رأي نظرية القوي يأكل الضعيف أو لا بقاء سوى للقوي من اللغات. ولا يخفى على أحد بأن معطيات الدراسات الحديثة تؤكد بأن إحصائيات اللغات الحية حتى مطلع القرن العشرين كانت أكثر من 15 ألف لغة حية تقلص عددها بالتدريج إلى500 لغة، وبالوقت الحاضر فإن حوالي 300 لغة منها في قائمة الخطر، وتوقعت أن تستخدم البشرية في الألفية الثالثة فقط 12 لغة، منها 6 لغات سيكون لها انتشار واسع فهذه المؤشرات وحتى وإن كانت اللغة العربية ما تزال ضمن الرقم الأخير لكن علينا الحذر من الزحف على هويتنا ولو بعد حين.
عمومًا، فإن وسائل الإعلام المسموعة والمرئية تكاد تقتحم كل بيت عربي، وتصل إلى أهل البادية في خيامهم والرعاة في مراعيهم، وهي تلقنهم اللغة الفاسدة، والأخطاء الفاحشة، والنطق الرديء، والذوق السيئ، وتطبع نفوس الملايين بطابعها، وتغرس فيهم جهلها وسقمها، وبذلك يخسر العرب لغتهم وأجيالهم، ويخسرون ألسنتهم وأذواقهم. ومن ثم تسهم وسائل الإعلام في تكريس ظاهرة الضعف اللغوي، ومن عوامل ضعف التمكن اللغوي المتعلقة بالإعلام.
لقد أثبتت الدراسات والبحوث العلمية أن للإعلام الإلكتروني دورًا يفوق التعليم وأقل كلفة في نشر الثقافة وتقويتها، الأمر الذي قد زاد من خطورة هذه الوسيلة الحديثة التي وسع آفاقها إلى حد بعيد التطور الهائل في التقنيات الجديدة وعلى رأسها الإنترنت وشبكات التواصل الجماهيرية.
من هنا نرى أن اللغة تتأثر بشكل كبير بالإعلام كأشد ما يكون التأثير؛ لأنها هي القالَب الذي يصب فيه الصحفي أو الكاتب خبره أو فكرته، وقد صار الإعلام هو الذي يصنع اللغة، ويحدد الأذواق، ويجدد الأساليب، ويضخ في شرايين اللغة العربية في كل لحظة، أعداداً هائلة من الألفاظ والتراكيب والمعاني المستحدثة، التي قد تعجز مجامع اللغة عن ملاحقتها، فصار التطبيق سابقاً على التنظير؛ وذلك ما يستدعي التوقف عند هذه اللغة الإعلامية المتجددة، ومراجعتها باستمرار، نقداً وتمحيصاً، كما هو حال “النقد” مع “الإبداع”.
وعليه فإن الترابط بين الجانبين (اللغة والإعلام الإلكتروني) هو ترابط وثيق يصعب الفصل بينهما. فالإعلام قد يكون له تأثير سلبي على اللغة العربية، وقد يطمس معالمها كمكون من مكونات الهوية، أمام زحف طوفان المعلومات والخطر المفترض للعولمة، والصراع الحاصل حاليًا بين اللغات العالمية من أجل البقاء، والتصادم بين اللغات القوية واللغات الضعيفة المهددة بالاندثار.

You might also like More from author