انتحال الشخصيات في وسائل التواصل .. ظاهرة عالمية ومدلولات ثقافية – فولت

انتحال الشخصيات في وسائل التواصل .. ظاهرة عالمية ومدلولات ثقافية

66

تركي التركي

“قمت بتلفيق كل ذلك في غرفة معيشتي”.. هذا ملخص القصة التي تناولها الإعلام البريطاني قبل أيام عن المراهق سام غاردنر، الذي حصل على 20 ألف متابع في “تويتر” تحت معرف مختلق وليس منتحلا فحسب، يحمل اسم صمويل رودس، الذي يقدم نفسه كصحافي رياضي، قام بتأليف صفقات وهمية وتقديمها كأخبار. إلى أن قام صحافي “حقيقي” من صحيفة “التلغراف” بتحديد الحساب بأنه زائف.

جاردنر الذي يبلغ من العمر 16 عاماً شرح موقفه بدوافع “ثقافية” بالغة الدلالة، حين قال بعد افتضاح أمره “كنت أركز على مشجعي الفرق المتعثرة لأنهم الأكثر سهولة من حيث خداعهم”. وأضاف “ربما شعرت بشيء يسير من الذنب، لكن ليس كثيراً. أردت أن أكون مهماً”.

هذا السياق لا يبدو محتكراً من قبل مجتمعات متخلفة وأخرى متقدمة، بل إن انتحال الشخصيات واختلاقها يكاد يكون واحدة من أبرز السمات “الثقافية” لسلوك بعض المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي. فأسئلة من نوع: هل هذا الحساب يخص «فلانا» أم لا؟ هل هو فعلاً حسابه الحقيقي أم مُزيف؟ هذا النوع من الاستفسارات لم يعد اختيارياً، بل أصبح أول ما يتبادر للأذهان، في ظل تنامي ظاهرة انتحال الشخصيات. هذه الظاهرة وإن كانت قديمة وسابقة للإنترنت، إلا أنه لا يخفى مدى تطور أدواتها، منذ انطلاق «الإنترنت» عموماً، وبعد ظهور الشبكات الاجتماعية بشكل خاص، فهل يقابل هذا التطور في أدواتها تطور في القوانين التي تحد من تناميها؟

ما فات صانع الإنترنت

“لم أتوقّع أن تستخدم والدتي البالغة من العمر 99 عاماً الإنترنت، لقد فوّت الجانب الاجتماعي كليا، ظننت أن المسألة ستقتصر على التواصل بين جهاز كمبيوتر وآخر أو شخص وجهاز كمبيوتر، ولم أتوقع أنه سيصبح آلية لتشكّل المجتمعات ونموّها وتفاعلها”. هكذا عبّر ليونارد كلاينروك أستاذ علم الكمبيوتر في جامعة كاليفورنيا، أو “صانع الإنترنت” كما يُعرف، في ذكرى مرور 40 سنة على ظهور الإنترنت.

ليونارد كلاينروك هو الذي بعث وزملاؤه، أثناء وجودهم في مختبر الكمبيوتر في جامعة كاليفورنيا، يوم الأربعاء 29 تشرين الأول (أكتوبر) 1969، أول رسالة عبر شبكة بدائية، مهدت لظهور الشبكة العالمية، حين كان ذلك أشبه بالمستحيل، وبحسب كلاينروك فإن الجانب الحسن لظهور الإنترنت، هو ذاته المشكلة، يقول: “كنا في حاجة إلى مجال مفتوح للسماح للإنترنت بالازدهار، فوثقنا بالجميع على الشبكة. كنت أعرفهم جميعاً، لذلك لم نشعر بالحاجة إلى وضع وسائل حماية، لكن هذا الأمر تسبّب في مشكلة أخرى؛ أولئك الأشخاص القابعون في سراديبهم أمام شاشات كمبيوتر، الذين يستطيعون الوصول إلى ملايين الناس بسرعة وسهولة من دون أن تُعرَف هوياتهم”.

انتحال الشخصيات

“وزارة الخارجية الأمريكية تنفي وجود أي حساب عربي للرئيس باراك أوباما على تويتر”، ومثل هذه التنويهات الكثير، صدرت عن أشخاص وعن وزارات وهيئات، حكومية وخاصة، محلية وعالمية، في ظل تزايد ظاهرة انتحال الشخصيات العامة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وبعد رصد لكثير من هذه الحسابات، محلياً وعالمياً، تبين أن كثيرا منها يتفاوت ما بين ساخر تتضح سخريته من خلال طبيعة التغريدات، كالحساب العربي للرئيس باراك أوباما، وأخرى تحتوي على تنويه مباشر في «البايو» الخاص بالحساب (ساخر، غير رسمي) كما حصل مع حساب ستيف جوبز، الذي تقدمت شركة أبل بشكوى من أجل إلغائه في كانون الثاني (يناير) 2011، ومع ذلك فإن شهرة جوبز لم تسعفه عند «تويتر»، الذي لم يستجب لهذا الطلب إلا بعد ثلاثة أشهر، استطاع من خلالها المنتحِل، جمع أكثر من 650 ألف متابع.

وهذا يقودنا إلى نوع آخر من الحسابات التي يتم انتحالها لفترة مؤقتة فقط، بغرض جمع أكبر عدد من المتابعين، ثم العودة باسم آخر مختلف تماماً، وتبقى هناك حسابات أخرى كثيرة، زائفة، في تويتر أو فيسبوك تُمعِن في انتحال شخصيات معروفة ومشهورة، رغم «تحذيرات» معلنة من الشخصيات المنتحلَة، يقابلها تباطؤ واضح من مواقع التواصل الاجتماعي في التجاوب مع بلاغات الإلغاء المتوافرة بجانب كل حساب.

الشبكات الاجتماعية تتحقق

مع بدايات هذه الظاهرة، تعذّرت الشبكات الاجتماعية، بالأعداد المهولة للمسجلين لديها يومياً، وبعدم قدرتها على التأكد من كل حساب على حدة، لكن مع استمرار هذه الظاهرة في التفشي، وتذمر وتضرر الكثيرين، اضطرت مواقع التواصل الاجتماعي للتجاوب ولو بعد زمن، لتعلن إطلاق أنظمة للتحقق من هوية المنتسبين إليها.

وكانت المبادرة من “تويتر”، الذي صرح للوكالة الفرنسية قبل ما يقارب العام، عن طريق أحد مؤسسيه، بيز ستون، أنه ستبدأ عملية التحقق من الهويات على مستوى المسؤولين الرسميين والهيئات العامة والفنانين المشهورين والرياضيين، فضلا عن كل فرد من المحتمل تعرضه لانتحال صفة، ليتبعه بعد ذلك “جوجل بلس” ثم “فيسبوك”، على التوالي.

وبعد التحقق الرسمي من قبل هذه المواقع من شخصية صاحب الحساب، توضع على الحساب شارة تحقق (علامة صح على تويتر)، توضح أن هذا الحساب تم التحقق من هوية صاحبه، وبحسب «جوجل بلس» فإن هذه الخطوة وُضعت “لتساعد المشتركين على التفريق بين الحسابات الحقيقية والأخرى الوهمية”.

وهنا، يمكن إسداء نصيحة للمشاهير والجهات المعروفة، بأن التواصل مع هذه المواقع لإثبات الهوية بالنسبة لحساب واحد، أجدى من ملاحقة المنتحلين، والتذمر والشكوى باستمرار من حسابات متعددة.

الانتحال وجهان

يتضح أن هناك خلطا واضحا بين وجهين من الانتحال، لا بد من التفريق بينهما. فالانتحال المتعارف عليه عن طريق “الاختراق” الإلكتروني، واستغلال الحساب من قبل “هاكر”، يختلف عن الانتحال الحديث، عن طريق التسجيل بصورة اعتيادية من قبل أشخاص عاديين، باستخدام اسم أو صورة تخص آخرين!

الأول متعارف عليه عالمياً، وهو ما تشير إليه أيضاً المادة الرابعة من نظام مكافحة الجرائم الإلكترونية الصادر عن هيئة الاتصالات والتقنية، التي تشترط الاختراق كأداة، ووقوع الضرر المادي أو العيني كنتيجة، ولكن هذه المادة لا تشمل ما يُعرف بـ “ضرر السمعة” الذي يقع من النوع الثاني، المرتبط بظهور المنتديات والشبكات الاجتماعية أخيرا، بشكل كبير.

وغياب تشريعات، محلية أو عالمية، واضحة، بحق النوع الثاني، يفسر عدم اتخاذ مواقع التواصل الاجتماعي أي موقف قضائي أو أمني لملاحقة منتحلي النوع الثاني، مكتفيةً بحدود ما تملكه من قدرة على استحداث أنظمة للتحقق من الهويات، أو إغلاق الحساب حتى «منتحِلٍ» آخر، مع مراعاة كونها منظمات ربحية، وبالتالي فإن مؤشرات الربح والخسارة تسهم بشكل كبير في قرارات من هذا النوع!

الثغرة الاجتماعية

ولاية كاليفورنيا الأمريكية سبقت الجميع، وتنبهت لـ “ضرر السمعة”، فبعد أن كان لها شرف المبادرة بإطلاق الإنترنت، ممثلة في جامعتها، ها هي لا تُفوّت السبق مرة أخرى في استحداث تشريعSB 1411، الذي يُعد الأول من نوعه في العالم لحماية “السمعة” من منتحلي الشخصية عموماً ومنتحلي الشبكات الاجتماعية بشكل خاص.

هذا القانون، لا يعنيه مدى شهرة الشخصية المنتحلَة، بقدر ما يعنيه تجريم كل ما من شأنه الإضرار بسمعة شخص واستغلالها بما يتناسب وطبيعة التواصل الاجتماعي الحديث، المتقاطع بشكل أو بآخر مع هذه العوالم الافتراضية، إذ يرى “المشرّع” في ذلك حماية للبالغين وللأطفال، مما قد يتعرضون له من ابتزاز أو إساءة أو سخرية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.

وولاية كاليفورنيا بهذا التشريع تتعامل، لأول مرة، مع مواقع التواصل الاجتماعي كواقع، وليس كافتراض، وهي بذلك تحاول ردم “الثغرة الاجتماعية” التي يعترف بوجودها، اليوم، صانع الإنترنت، والتي لا بد لنا أيضاً، بما يتناسب وواقعنا، من التنبه لها والسعي نحو ردمها قانونياً، قدر المستطاع.

You might also like More from author