هيئة الخدمة والإدارة العامة.. هل تتفق مع مبادئ الحوكمة وأسسها؟

بصدور النظام رقم 80 لسنة 2023 “نظام هيئة الخدمة والإدارة العامة”، تنجلي مرحلة من مراحل تجميع عدة أدوار في دائرة واحدة هي “ديوان الخدمة المدنية” سابقا، والذي كانت تراوح أدواره ما بين رسم الإستراتيجيات والسياسات، إلى الرقابة والمتابعة ثم إلى التنفيذ، وهذا ما يتنافى مع مبادئ الحوكمة وأسسها.
وجاء في المادة 3/ب من النظام، تشكيل أربع إدارات في الهيئة لتحديد الأدوار الواجب لعبها في الدور الحكومي، والتي من الواضح أنها أدوار استراتيجية، ورسم سياسات، وتخطيط، وإقرار معايير وأسس، ونظم عمل وغيرها؛ ما يدل على وجود مظلة تشريع ورقابة على الأداء الحكومي.
وعزز هذا التوجه الإستراتيجي لدور الهيئة المادة 4 و 5/أ، حيث جاءت هذه المادة لتحديد هدف ومهام الهيئة بإعداد السياسات والإستراتيجيات للموارد البشرية، وتأهيل القيادات المستقبلية، وتطوير الهياكل التنظيمية للدوائر العامة، فضلا عن تحديث وتطوير منظومة الخدمات العامة، وتعزيز أطر وأسس وقواعد الحوكمة وتطبيقها، وتنسيق وتنظيم الخدمات الحكومية المشتركة وتعزيز تكاملها وتنسيقها.
وتأتي المادة 5/ب بالدور الرقابي للهيئة للتأكد من التزامها بتنفيذ تطبيق التشريعات والسياسات، وتطبيق المؤشرات، والمعايير، والمستهدفات للدوائر العامة.
فيما توضح المادة 7 بالتفصيل المهام والصلاحيات لمجلس الهيئة، والتي تتلخص في إقرار الإستراتيجيات والسياسات والأنظمة، وإقرار الخطط والبرامج، والمعايير والأدلة والمنهجيات والمؤشرات المستهدفة للعمل، ثم إقرار الموازنة والحسابات الختامية، وأخيرا التمثيل القانوني بالموافقة على العقود وإبرام الاتفاقيات مع الغير.
وإذ ننظر إلى هذا النظام كخطوة إيجابية في منظور تطوير الخدمة العامة، وكخطوة أساس في النهوض بالتنمية الإدارية والاقتصادية لأجهزة الحكومة، نتطلع إلى تكامل هذا التوجه مع رسم استراتيجية تنظيمية لرسم السياسات والتوجيهات الاقتصادية بإنشاء هيئة الاستراتيجية الاقتصادية بهذا المستوى الإداري الرفيع، لمواكبة البعدين الإداري والاقتصادي وتأكيد سيرهما معا للنهوض بالتنمية في الأردن.
ولعل ما تجدر ملاحظته بعد صدور نظام هيئة الخدمة العامة لتحل محل ديوان الخدمة المدنية، هو أن هذا الإحلال ما يزال غير كامل، فهناك عدة مهام تنفيذية كان الديوان يقوم بها لم يتم تشكيل أو إنشاء البديل لها، وكمثال كبير وواضح استقبال طلبات التوظيف، وفرزها وتصنيفها، وترتيب الأدوار، ووضع الامتحانات، وتنفيذها، والإشراف على النتائج، علاوة على استكمال المشاركة في المقابلات، وتعزيز تطبيق أسس الاختيار للوظائف، ومتابعة التعيينات.
وعلى الوجه الآخر، هناك قضايا الترفيعات والبعثات والتدريب، والعقوبات، والحوافز.. الخ.
وكانت صدرت الإرادة الملكية السامية بالموافقة على نظام هيئة الخدمة والإدارة العامة، بحسب الجريدة الرسمية.
وبحسب النظام الجديد، فإنه يلغى ديوان الخدمة المدنية، وتحل الهيئة محله قانونيا وواقعيا في كل ما له من حقوق وما عليه من التزامات، بما فيها العقود والاتفاقيات التي كان الديوان طرفا فيها، وذلك اعتبارا من بداية العام المقبل.
وسيكون للهيئة مجلس يتألف من رئيس متفرغ برتبة وراتب وزير يعين بقرار من مجلس الوزراء، على أن يقترن القرار بإرادة ملكية سامية، وأربعة مديرين تنفيذيين من ذوي الخبرة والاختصاص في مجال عمل الهيئة، بالإضافة إلى مدير عام معهد الإدارة العامة.
وتتولى الهيئة الجديدة؛ إعداد السياسات والاستراتيجيات والمعايير المتعقلة بالموارد البشرية والقيادات الحكومية والهياكل التنظيمية والثقافة المؤسسية والخدمات والحوكمة ومبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص، وإدارة الأداء المؤسسي، والخدمات المشتركة بين الدوائر.
كما تقوم الهيئة الجديدة بالرقابة على مدى التزام الدوائر الحكومية بتنفيذ وتطبيق التشريعات والسياسات والمعايير والمؤشرات والمستهدفات المرتبطة بتطوير الخدمات والإدارة العامة، ومتابعة إجراءات تصويب الانحرافات والمخالفات.
وترفع الهيئة الجديدة تقارير دورية لرئيس الوزراء حول مدى التزام الدوائر بتطبيق التشريعات والسياسات والاستراتيجيات والمعايير والمؤشرات والمستهدفات والأدلة المتعلقة بتطوير الخدمة والإدارة العامة، وبالمخالفات المرتكبة.
وستقوم الهيئة بإجراء الدراسات والبحوث المتخصصة في مجالات تطوير وتحديث الإدارة العامة، وتقديم الدعم الفني والاستشاري للدوائر؛ لتمكينها من تطبيق التشريعات والسياسات والاستراتيجيات والتعليمات.
وتشكل بقرار من رئيس الوزراء، لجنة وزارية برئاسة الوزير الذي يسميه رئيس الوزراء، على أن تضم في عضويتها اثنين من موظفي الفئة العليا، لتتولى دراسة أوضاع موظفي ديوان الخدمة المدنية واتخاذ القرارات المناسبة بخصوصهم.
وتعرف الحوكمة على أنها النظام الذي يُدير الأنشطة والقرارات الخاصة بالمؤسسات والحكومات، وذلك عن طريق وضع مجموعة من القواعد والمعايير التي توضح شكل العلاقات بين جميع العاملين والمستفيدين والمجتمع بشكل عام.
وتتطلب من المؤسسات والحكومات أن تتبع القوانين واللوائح والمعايير القانونية المعمول بها، وأن يكون لديها نظام لتنفيذ هذه القوانين واللوائح ومنع الاستفادة الشخصية واستغلال السلطة.
ومن مبادئ الحوكمة في القطاع الحكومي أنها تهدف إلى تعزيز أداء المؤسسات الحكومية، وعملية اتخاذ القرارات وتنفيذها، والتي تشمل توفير آليات لرصد أداء الحكومة وتقييمه وتقديم تفسيرات ومساءلة في حالة وجود أي انتهاكات أو فساد.
إضافة إلى الكشف عن المعلومات المتعلقة بالسياسات والبرامج والميزانيات والعقود وكل ما يتعلق بالقرارات الحكومية، حتى يستطيع جميع المواطنين الوصول إلى هذه المعلومات وفهمها، فضلا عن تشجيع المواطنين والمجتمع المدني في صنع القرارات الحكومية وصياغة السياسات والبرامج التي تؤثر على حياتهم، وتوفير استراتيجيات وآليات لقياس وتقييم أداء الحكومة وتحسينها باستمرار.