اخبار عالميةرئيسي

إقرار بند “المعقولية” يعيد النقاش.. لماذا لا يوجد دستور لإسرائيل؟

أعاد إقرار الكنيست الإسرائيلي، الاثنين، بندا رئيسيا في خطة إلاصلاح القضائي المثيرة للجدل لتقييد بعض صلاحيات المحكمة العليا، تسليط الضوء على قضية عدم وجود دستور لإسرائيل.

وبعد جلسة عاصفة ردد فيها نواب المعارضة هتافات “عار” قبل الانسحاب من القاعة، أيد 64 نائبا من الائتلاف الحكومي اليميني المتشدد الحاكم برئاسة بنيامين نتانياهو “بند المعقولية”، من أصل 120 نائبا.

وعكس التصويت عزم نتانياهو، وحلفائه من اليمين، على المضي قدما في الخطة، التي تشكل اختبارا للعلاقات الاجتماعية الدقيقة التي تربط البلاد، وهزت اللحمة التي كان يتمتع بها جيشها القوي.

مخاوف من “إساءة استعمال السلطة”
ويقول منتقدون إن تعديل اليوم الاثنين تم الدفع به بسرعة من خلال البرلمان، وسيفتح الباب أمام إساءة استعمال السلطة من خلال إزالة أحد الضوابط الفعالة القليلة على سلطات السلطة التنفيذية، في بلد لا يوجد فيه دستور رسمي مكتوب.

لكن نتانياهو يصر، في المقابل، على أهمية التعديلات من أجل تحقيق التوازن بين سلطات الحكم.

ومهمة المحكمة العليا عادة في الدول الديمقراطية هي السهر على حماية الدستور وبالتالي إلغاء أي قرار أو قانون ترى فيه تعارضا مع الدستور، وفي إسرائيل، وبما أنه لا يوجد دستور، تلغي المحكمة قرارات الحكومة حال اعتبارها “غير معقولة”.

ومع إقرار بند “المعقولية” ضمن خطة الإصلاح القضائي، حدت السلطة التنفيذية من سلطة المحكمة العليا في الاعتراض على قرارات الحكومة التي يعتبرها القضاة غير منطقية.

لماذا لا يوجد دستور لإسرائيل
ومن شأن هذه الأزمة إعادة النقاش بشأن أهمية صياغة دستور لإسرائيل، لاسيما أن زعيم المعارضة، يائير لبيد، كان أكد، في مارس الماضي، على وقع احتدام الجدل بشأن خطة نتانياهو، على أن المعارضة “لن ترتاح حتى يكون هناك دستور لدولة إسرائيل”، فلماذا لا يوجد دستور لإسرائيل.

الخلاف بين من يعتقدون أنه يجب وضع دستور لإسرائيل وبين المعارضين لذلك، بدأ منذ الأيام الأولى لاستقلال إسرائيل. أما صعوبة وضع دستور فتنبع من وجهات النظر المختلفة بخصوص طبيعة إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية.

وعام 1948 عارض، ديفيد بن غوريون، وضع دستور لإسرائيل لما يمكن أن يشكله من خطر على هوية الدولة اليهودية الجديدة. إذ لم يكن هناك اتفاق على كيفية التعامل مع التعريف العام للدولة وهويتها.

ولجأ قادة إسرائيل إلى اعتبار إعلان إقامة دولة إسرائيل “وثيقة الاستقلال”، التي تتناول مبادئ إقامة الدولة، وطبيعتها، ومؤسساتها، ومبادئ عملها وحقوق مواطنيها، وثيقة تصرح بمبادئ الأساس الخاصة بنظام الحكم في دولة إسرائيل.

إعلان الاستقلال
وترى سلطات القانون بـ “إعلان الاستقلال” وثيقة ذات أهمية مبدئية قانونية، وهي بمثابة دليل ومرشد لها في عملها.

أما الاعتماد على “إعلان الاستقلال”، والطريقة التي تنظر من خلالها سلطات القانون إلى هذه الوثيقة، فقد تعززت عام 1992، عند سن قانوني أساس: قانون أساس كرامة الإنسان وحريته، وقانون أساس حرية العمل.

ويعزز هذان القانونان مكانة “إعلان الاستقلال”، حيث جاء ذكر هذه الحقوق من خلال المبادئ الأساسية للقوانين التي نصت على أن الحقوق الأساسية للإنسان في إسرائيل “تعتمد على الاعتراف بقيمة الإنسان، وقدسية حياته وحريته، ويتم احترامها بروح المبادئ التي جاءت في وثيقة استقلال دولة إسرائيل”.

مكانة الدين في الدولة
وفي حديث سابق مع موقع الحرة، تحديدا في تقرير نشر يوم 28 مارس الماضي، قال الباحث الأستاذ الجامعي الإسرائيلي، مردخاي كيدار، إن صعوبة صياغة دستور لإسرائيل “نابعة من السؤال الأول: وهي مكانة الدين في الدولة، وخاصة مصدر التشريع”.

وأوضح أن المجتمع الإسرائيلي “منقسم بين علمانيين ومتدينيين، والجميع يهود، إما بالقومية أو الديانة، أوالاثنين معا”.

ومن وجهة نظر كيدار، هذا الأمر يعقد فكرة “صياغة دستور لإسرائيل، لأن دستور الدولة يجب أن ينص على مصدر التشريع، هل هو الشعب؟ أي قوانين وضعية، أم قوانين إلهية؟ كما هي في الإسلام. وفي الديانة اليهودية هناك شريعة تنظم حياة الناس فرادى وجماعة، والمتدينون يريدون الشريعة اليهودية مصدرا للتشريع في الدولة، أما العلمانيون فيريدون البرلمان مصدرا للتشريع”.

ولأنه “لا يمكن بناء جسر بين هذين الاتجاهين”، يقول كيدار إن “إسرائيل التفت على هذه المسألة بتجنب صياغة دستور، لأن العقبة الرئيسية تكمن في الإجابة عن السؤال الحساس: ما هو مصدر التشريع؟” وحتى الآن إسرائيل “ليست مستعدة لصياغة دستور، لأن الغالبية في إسرائيل هي من المتدينين والمحافظين”.

طبيعة المجتمع الإسرائيلي
فكرة صياغة دستور لإسرائيل تعني الدخول في مناطق ملغومة، قد تؤجج خلافات لا توجد إمكانية لاحتوائها. حتى أن منتقدي لبيد نفسه، قالوا إنه تجنب القيام بأي خطوة في هذا الاتجاه حين كان رئيسا للحكومة.

فوجود الدستور يعني إقرار الحقوق والواجبات وضمان مبدأ المساواة بين المواطنين. وهو ما يصعب الاتفاق عليه في دولة منقسمة بين فئات مختلفة في رؤيتها لتعريف الدولة.

وفي التقرير السابق نفسه، قال ساهر علي، الخبير في القانون الدستوري في إسرائيل، لموقع “الحرة” إن هناك عقبات تحول دون صياغة الدستور في إسرائيل، أهمها مبدأ المساواة بين العرب واليهود. كما أن العرب ينقسمون إلى دروز، ومسلمين، ومسيحيين. كما أن اليهود أنفسهم منقسمون إلى متدينين وعلمانيين. ووجود دستور يعني الإقرار بالمساواة بين جميع مواطني الدولة في الحقوق والواجبات.

الواقع المعقد في إسرائيل
وأشار علي، في التقرير الذي نشر يوم 28 مارس 2023، إلى أن الواقع معقد في إسرائيل، “فاليهود المتدينون لا يخدمون في الجيش، لذلك هم لا يريدون دستورا يجبرهم على الخدمة العسكرية. كما أن وجود دستور ينص على المساواة يعني أن يخدم العرب في الجيش، وهو أمر خلافي بين العرب، فهناك عرب إسرائيليون يرفضون الخدمة في الجيش، لأنه يحارب الفلسطينيين في الضفة الغربية”.

وأعرب علي عن اعتقاده أنه للتعامل مع هذا الواقع، فإن وثيقة “إعلان الاستقلال” لدولة إسرائيل تشتمل على معايير وقواعد عامة، مثل المساواة، لكنها غير ملزمة قانونا.

وقدم علي مثالا بالقول إن قانون القومية الأخير، الذي سن قبل أربع سنوات “ينص على أن اللغة العربية ليست لغة أساسية، وأن اليهودي له مرتبة أعلى من أي مواطن آخر في الدولة”، مؤكدا أن هذا “تشريع عنصري، ولو كان هناك دستور لمنع ذلك”.

وقال كيدار إن “الغالبية في إسرائيل هي من المتدينين والمحافظين”، وشرح الفرق بين المتدينيين والمحافظين بالقول إن المتدينين هم المتمسكون بتفاصيل الشريعة اليهودية ويطبقونها بحذافيرها. أما المحافظون فهم “أولئك الذين يميلون إلى الدين، وإن كانوا لا يحافظون على الشرائع اليهودية بحذافيرها، وبالأخص اليهود من الدول الناطقة بالعربية”.

ويشير كيدار إلى أن اليهود الشرقيين محافظون “يمليون للدين، فحتى ولو أنهم لا يحافظون على الشرائع بحذافيرها، إلا أن تفكيرهم إيماني، والدين بالنسبة لهم أهم من القوانين الوضعية”.

“هؤلاء اليهود المحافظون والمتدينون لا يقبلون بوضع دستور لإسرائيل لا يأخذ الدين بالحسبان. ولذلك بمرور الزمن تتضاءل إمكانية صياغة دستور”، يقول كيدار.

لماذا تتضاءل فرصة صياغة الدستور بمرور الزمن؟
ويوضح كيدار بأن السبب هو “التكاثر السكاني المتسارع لليهود الشرقيين، الذين يميلون للبقاء هنا في الدولة، بينما يميل اليهود الغربيون العلمانيون للهجرة، وعددهم قليل في المجتمع، مقارنة بالشرقيين، لأن التكاثر بينهم أقل”.

ما يحدث في إسرائيل أن “الشريحة السكانية من اليهود الشرقيين المحافظين والمتدينين تزداد من حيث العدد، مقابل التضاؤل المستمر لليهود الغربيين الذين يمثلون العلمانية. وهذا ما يفسر وجود الأغلبية اليمينية في الكنيست”، بحسب ما يرى كيدار.

ويقول إن “الحريديم والمتدينيين هم الأكثرية في إسرائيل بسبب التكاثر السكاني، وهم لا يستخدمون وسائل تحديد النسل، لأنه مخالف للشريعة الدينية كما يعتقدون”.

ومن هنا يرى كيدار أن الائتلاف الحكومي الحالي “يعبر بصورة دقيقة عن الفروق السكانية في إسرائيل”.

لكن كيدار يشير إلى نقطة مفصلية تفسر، من وجهة نظره، ما يجري في الشارع الإسرائيلي، إذ يقول إن “النخبة الاقتصادية والقضائية والأكاديمية والفنية في إسرائيل في أيدي العلمانيين الغربيين، بينما النخبة السياسية في أيدي اليمين المحافظ والمتدين”.

ويعتبر كيدرا أن هذا الواقع يقف وراء قدرة المتظاهرين الذين تدفقوا إلى الشارع ضد الحكومة على شل الدولة بالإضرابات.

لكن علي يرى عكس ذلك، ويعتقد أن التظاهرات التي تشهدها إسرائيل “تمثل الجميع، ولا أساس للادعاء بأن الكنسيت، وما يحمله من مشروع لتغيير القضاء، يمثل الأغلبية” في البلاد.

الخلاف على الصلاحيات
إسرائيل محكومة بثلاث مؤسسات رئيسية، هي الحكومة (السلطة التنفيذية)، والكنيست (السلطة التشريعية)، والمحكمة العليا (السلطة القضائية). وشرارة الخلاف بدأت حين قاد أعضاء الائتلاف الحكومي مشروعا يقلص صلاحيات القضاء في التدخل بقرارات الحكومة والتشريعات التي تسنها.

ويقول كيدار إن “هناك مشكلة اليوم، لأن الكنيست رغم أن أغلبيته يمينية، فإنها لا تحكم فعليا، لأن الحكم هو للمحكمة العليا التي فتحت للجميع إمكانية رفع الدعاوى والشكاوى”.

ويتهم كيدار المحكمة العليا بتسييس قراراتها، “فأحكامها يسارية تعبر عن اليسار. والقضاة الـ15 يساريون حتى النخاع، وأحكامهم تعبر عن توجهاتهم السياسية والثقافية، بينما الجمهور في واد آخرـ فالقضاة علمانيون، بينما الجمهور يميل للمحافظة والتدين والتقليد”.

ويقول إن هناك “فرقا شاسعا يتوسع بين القضاء وبين الشعب والكنيست، وكل ما نراه اليوم نتيجة للتوتر بين أغلبية في الكنيست وأقلية تتدفق للشوارع لأنها خسرت الانتخابات، وبما أن هذه الأقلية تتحكم بالاقتصاد والفنون فبإمكانها أن تشل الدولة”.

لكن علي يقول لموقع “الحرة” إن “الانقلاب القضائي يقف وراءه ويدعمه نتانياهو، لسبب واحد، فهو لا يهمه من يكون في المحكمة العليا، لأن ما يعنيه هو فقط الهروب من الحكم بالملف الجنائي المرفوع ضده في المحكمة المركزية”.

ويضيف أنه “عندما يكون النظام ديمقراطيا ولا يوجود دستور، فإن هذا لا يعني أن من نجح في الانتخابات هو الأغلبية، وأن من له أغلبيبة الكنيست هو أغلبية الشعب، ويستطيع الإضرار بمصالح الأقلية، لأن أحد أسس الديمقراطية حماية حقوق الفرد والأقليات”.

ويشرح علي أن سبب القوة التي تتمتع بها المحكمة العليا هو عدم وجود دستور، “فالمحكمة العليا تقوم بمهمة حماية الأقليات من القوانين العنصرية والمجحفة”.

ويتساءل علي: “هل يعقل أن تقرر المحكمة العليا عدم جواز تعيين، أرييه درعي، وزيرا في الحكومة، فيأتي نتانياهو ليعده بتغيير ذلك؟”.

كيدار يؤكد أنه في حالة إسرائيل فإن الكنيست يعبر عن السيادة، والكنيست لا يشرع القوانين إلا بموافقة المحكمة العليا، وكل قانون يسنه الكنيست، يمكن أن يلغي في قاعة محكمة العدل العليا. “وهذا أمر غير مقبول”.

كما يقر كيدار بأن هناك تداخلا بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في إسرائيل، بخلاف الفصل الحاسم بين السلطات في الولايات المتحدة. ففي إسرائيل “التداخل كبير”، فمثلا رئيس الحكومة يجب أن يكون عضوا في الكنيست، وهو جزء لا يتجزا من السلطة التشريعية، والوزراء يمكن أن يكونوا أعضاء كنيست، وذلك ليس ضرورة، ولكن في الغالب وزراء الحكومة هم أساسا أعضاء كنيست.

ويعلل كيدار الأمر بأن ديفيد بن غوريون، أوجد هذه الحالة في إسرائيل “بسبب طبيعة المرحلة في ذلك الوقت. الدولة كانت في طور التأسيس، بحاجة لشخص ما يملك قوة قرار، وقبضة حديدية، مثل بن غوريون، لكن مع الزمن يمكن أن تكون الأمور أكثر ديمقراطية، لأن الحالة اليوم مختلفة والناس أكثر حساسية لهذه التدخلات”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى