اخبار عربيةبيانات ومؤشراترئيسي

كيف يمكن لمصر تسديد التزاماتها المالية الخارجية؟

تعاني مصر من أزمة “نقص بالعملة الأجنبية” بالتزامن مع اقتراب سداد استحقاقات خارجية مليارية قصيرة وطويلة الأمد، ما أثار تخوفات بشأن “عدم قدرة البلاد على الإيفاء بالتزاماتها”، بينما يكشف خبراء لموقع “الحرة” سيناريوهات ذلك ومدى إمكانية التخلف عن سداد تلك الاستحقاقات.

وتشهد مصر إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها، ففي عام واحد، فقد الجنيه المصري نصف قيمته مقابل الدولار الأميركي في حين تراجعت احتياطات البلاد من العملات الأجنبية.

وأثار نقص العملة الصعبة مخاوف بشأن قدرة مصر على سداد الديون الخارجية، ومنذ أبريل خفضت وكالات التصنيف الائتماني الرئيسية الثلاثة النظرة المستقبلية لديون مصر.

وفي مايو، خفضت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني تصنيف مصر درجة واحدة من “بي +” إلى “بي”، مع تحويلها نظرتها المستقبلية إلى سلبية.

وتحدثت الوكالة في بيان عن ازدياد مخاطر التمويل الخارجي في ضوء الاحتياجات التمويلية المرتفعة، وتشديد شروط التمويل الخارجي.

في أواخر أبريل أعلنت وكالة التصنيف الائتماني “ستاندرد آند بورز” أنها أعادت النظر في تقديراتها لدرجة آفاق الدين المصري من “مستقر” إلى “سلبي” بسبب “الحاجات الكبيرة لتمويلات خارجية” تتوقعها بشأن المالية العامة.

ومن جانبها قالت وكالة موديز إن مواعيد استحقاق الدين الخارجي الكبير لمصر أصبحت “تمثل تحديا متزايدا”.

ثلاثة مصادر للعملة الصعبة
يتحدث أستاذ الاقتصاد السياسي ومستشار البنك الدولي السابق، عمرو صالح، عن ثلاثة مصادر رئيسية للنقد الأجنبي في مصر وهي “السياحة ورسوم عبور قناة السويس، وتحويلات المصريين العاملين بالخارج في الخارج”.

وارتفعت مدخلات العملة الأجنبية من السياحة ورسوم عبور قناة السويس، لكن تحويلات المصريين العاملين في الخارج قد تراجعت بسبب تحويل عدد أكبر من الناس لأموالهم عن طريق السوق الموازية، وفقا لحديثه لموقع “الحرة”.

ويبلغ الدولار 31 جنيها تقريبا بالسعر الرسمي، لكن السعر في السوق السوداء يصل لنحو 39 جنيها.

ويشير إلى معاناة مصر من “نقص حاد بالعملة الصعبة”، مما يتسبب في ضغوط متصاعدة على الاقتصاد المصري، حيث تحتاج البلاد حاليا لـ”زيادة مدخلاتها من النقد الأجنبي”.

وتحتاج مصر لزيادة “مدخلاتها من العملة الصعبة وتنويع مصادرها” للإيفاء بالالتزامات الداخلية والخارجية خلال الفترة المقبلة، وفقا لمستشار البنك الدولي السابق.

ومن جانبه يشير الباحث بالاقتصاد السياسي، أبوبكر الديب، إلى تحسن في مدخلات النقد الأجنبي للبلاد، بعد زيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع الصادرات وعوائد القطاع السياحي وقناة السويس والاستثمارات المباشرة.

وفي حديثه لموقع “الحرة” يوضح ارتفاع معدل نمو الصادرات المصرية بنسبة 53.1 بالمئة خلال العام المالي 2021-2022 لتسجل 43.9 مليار دولار.

وحسب الديب فقد ارتفعت إيرادات السياحة بنسبة 121.1 بالمئة لتصل إلى 10.7 مليارات دولار، وكذلك عائدات قناة السويس التي بلغت نحو ٨ مليارات دولار في الفترة نفسها.

كما ارتفعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر لتصل إلى ما يقارب 9 مليارات دولار، في الفترة عينها، وفقا للديب.

وفي مطلع مايو، كشفت “بيانات البنك المركزي المصري”، تراجع تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال النصف الأول من العام المالي الجاري بنسبة 23 بالمئة مقارنة بنفس الفترة عام 2021-2022.

ووصلت تحويلات المصريين بالخارج خلال النصف الأول من عام 2022-2023 إلى 12 مليار دولار مقابل 15.6 مليار دولار في نفس الفترة من العام المالي الماضي.

وتشكل عائدات قناة السويس مصدرا رئيسيا للنقد الأجنبي في مصر، وسجلت ثمانية مليارات دولار في العام 2022، وهو رقم قياسي منذ إنشاء القناة التي افتتحت عام 1869، وفق بيانات الهيئة.

وفي مصر يعاني قطاع السياحة ضربات متتالية منذ مطلع 2011، وصولا إلى الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في فبراير 2022، وأثرت على وصول الزائرين من البلدين وهم يشكلون النسبة العظمى من السياح الوافدين إلى مصر، حسب “فرانس برس”.

ويعمل بقطاع السياحة نحو مليوني مصري ويدر 10 بالمئة من إجمالي الناتج القومي للبلاد، وفقا لـ “فرانس برس”.

التزامات خارجية “هائلة”
الأسبوع الماضي، أظهرت بيانات البنك المركزي المصري، أن المدفوعات المستحقة على مصر تشمل 2.49 مليار دولار من الديون قصيرة الأجل في يونيو، بينما في النصف الثاني من 2023 تشمل 3.86 مليار دولار من الديون قصيرة الأجل و11.38 مليار دولار من الديون طويلة الأجل.

ويوضح الديب أن إجمالي قيمة الالتزامات على مصر تبلغ نحو 20.2 مليار دولار، خلال العام المالي الجاري 2022-2023، الذي بدأ في شهر يوليو الماضي وينتهي في يوليو المقبل.

ومن تلك الالتزامات نحو 8.7 مليار دولار خلال النصف الأول الذي انتهي في ديسمبر 2022.

ويشير إلى أن مصر ملزمة بسداد نحو 83.8 مليار دولار عن خدمة الدين الخارجي خلال الخمس سنوات المقبلة.

ومصر ملزمة خلال الـ 4 سنوات المقبلة بسداد 10 مليارات دولار لصندوق النقد الدولي، وهي تحتاج إلى 28 مليار دولار حتى نهاية 2023 لتمويل خدمة الدين وعجز الحساب الجاري لتتفادى التخلف عن السداد، وفقا للديب.

ويوضح الباحث في الاقتصاد السياسي أن القاهرة ملزمة بتسديد ما بين 5 إلى 6 مليارات دولار شهريا، سواء كانت تلك المدفوعات لسندات أو قروض أو فوائد قروض أي ما يعادل نحو 70 مليار دولار سنويا.

لماذا تراكمت الديون على مصر؟
خلال الأعوام الثمانية الماضية، ارتفع الاقتراض الخارجي إلى أربعة أمثاله، وأظهرت بيانات للبنك المركزي أن القروض الخارجية قفزت إلى 162.9 مليار دولار بحلول ديسمبر كانون الأول 2022 من أقل من 40 مليار دولار في 2015.

وقفز الاقتراض في الربع الأخير من 2022 وحده ثمانية مليارات دولار.

ويشير الخبير الاقتصادي، عبدالنبي عبدالمطلب، أن سياسة الاقتراض جاءت استنادا على “نظرية اقتصادية” مفادها “كلما زادت قدرتك على الاقتراض كلما ازداد جذب الاستثمار الأجنبي المباشر”.

وحققت تلك النظرية “نجاحا وهميا”، وبمجرد بدء الاقتراض جاءت للبلاد حوالي 30 مليار دولار من الأموال الساخنة، التي سرعان ما انسحبت من السوق المصري بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وفقا لحديثه لموقع “الحرة”.

وقد أثر ذلك “سلبا على الوضع الاقتصادي في مصر”، وأدى لتراكم الديون على البلاد، حسب عبدالمطلب.

ومن جانبه يعدد الديب أسباب ارتفاع حجم الدين الخارجي المصري.

ويشير إلى عجز الميزان التجاري بين الصادرات والواردات وكذلك الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية ومواجهة تداعيات جائحة كورونا، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

هل تتخلف مصر عن السداد؟
ينفي عبدالنبي عبدالمطلب، إمكانية “تخلف مصر عن سداد الالتزامات الخارجية”، ويؤكد أن مصر قادرة على الإيفاء بكافة التزاماتها الخارجية من “أقساط وفوائد” سواء المقررة حتى 30 يونيو، أو النصف الثاني من عام 2023.

ومن جانبه يرى الديب أن الدين الخارجي مازال في “الحدود الآمنة” رغم تضاعفه 5 مرات خلال 10 أعوام بالمقارنة بحجم الناتج الإجمالي المحلي الذي يتخطى 450 مليار دولار.

ويقول “القاهرة لم تتخلف عن سداد الديون والاستحقاقات المالية في مواعيدها وقادرة على ذلك مستقبلا”.

بينما يوضح عمرو صالح أن مصر قد سددت مديونات خارجية قيمتها ٢ ونصف مليار دولار خلال شهرين فقط نهاية العام الماضي.

وفي ديسمبر 2022، سددت مصر مدفوعات مرتبطة بالمديونية الخارجية بما يعادل نحو مليار دولار، وفي نوفمبر من العام نفسه سددت مليار ونصف المليار دولار، وفقا لحديثه.

ويستشهد مستشار البنك الدولي السابق بذلك، ويقول “مصر قادرة على سداد التزاماتها ولن تتخلف عن السداد”.

كيف يمكن الوفاء بالالتزامات الخارجية؟
يمكن لمصر الوفاء بكافة الالتزامات الخارجية، من خلال حلين لا ثالث لهما، أما من خلال “إجراءات ثورية” تتعلق بـ”السحب من الاحتياطي النقدي للبلاد” ضاربة بتوصيات صندوق النقد الدولي “عرض الحائط”، على حد تعبير عبدالمطلب.

ويقول “وقتها تستطيع مصر المناورة بما قيمته حوالي 10مليار دولار”، ويتم من خلالها “دعم الجنيه المصري” بقرابة 6 مليار دولار خلال هذا العام.

وحسب حديثه فيمكن من خلال الستة مليارات دولار “الوفاء بقيمة البضائع المحجوزة في الموانئ المصرية”، ما يؤدي لانتعاش اقتصادي وإعادة الثقة في الاقتصاد المصري.

والثلاثاء، أعلن “البنك المركزي المصري” أن صافي الاحتياطيات الدولية للبلاد وصل إلى 34.660 مليار دولار بنهاية مايو، وذلك مقابل 34.551 مليار دولار في أبريل.

وخلال العامين الماضيين، سحبت مصر من صافي الأصول الأجنبية في النظام المصرفي أكثر من 40 مليار دولار، وتم استخدم جزء منها لدعم الجنيه، وفقا لـ”رويترز”.

ويتعلق الحل الثاني بالاستجابة لمطالب صندوق النقد الدولي بتخفيض قيمة العملة المحلية، رغم خطورة ذلك في هذه المرحلة، حسب عبدالمطلب.

ويوضح أن تخفيض قيمة العملة يحتاج إلى “القفز على الأسعار” في السوق الموازية.

ويشير لتخوف بـ”عدم قبول صندوق النقد الدولي بهذا التخفيض” كبادرة على إثبات أن الحكومة ماضية في تنفيذ تعهداتها، ومطالبته بإدراج أسهم الشركات التي تم الإعلان عنها في البورصة.

وسيكون لذلك “مخاطر كبيرة” في ظل التضخم العالمي و”ازدحام سوق السندات الدولارية”، ولذلك فمن الأفضل “السحب من الاحتياطي النقدي” لتسوية المديونات المقررة خلال 2023، وفقا للخبير الاقتصادي.

ومن جانبه يرجح عمرو صالح، سيناريو “السحب من الاحتياطي النقدي”.

ويقول “هذا هو الهدف الأساسي لوجود الاحتياطي النقدي لدى الدول ويمكن السحب منه عند وجود أزمات”.

وسيتم السحب لتمويل المدفوعات وهي ليست “كبيرة”، ويمكن تدارك أثار ذلك من خلال “إصدار أذونات خزانة أو الحصول على قروض من صناديق الاستثمار أو بنوك التمويل الدولية سواء الأفريقية أو العربية”، وفقا لمستشار البنك الدولي السابق.

أما أبوبكر الديب فيطالب الحكومة المصرية باتخاذ 5 خطوات عاجلة لسرعة سداد الدين أهمها التوقف عن اقتراض الأموال من جديد وجدولة وتنظيم تلك الديون وترشيد الإنفاق وتطوير الثقافة المالية.

وتحتاج مصر لإجراءات لعلاج الأزمة منها تحديد جدول الأولويات في الاستثمارات الحكومية وضغط الإنفاق وتنشيط السياحة والصناعة والصادرات ودعم الزراعة والتجارة وتمكين القطاع الخاص، وفقا لحديثه.

ويشير إلى ضرورة تبني الحكومة لتدابير وسياسات وإجراءات من شأنها تحقيق الانضباط المالي والتحرك باتجاه مستويات أكثر استدامة للدين العام وتبني استراتيجية اقتصادية متوسطة الأمد لترشيد الاستهلاك وتنمية الموارد وفتح الاستثمارات وفك كل القيود على المستثمرين.

  • الحرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى