اخبار عربيةبيانات ومؤشرات

اللجوء إلى عملات أخرى.. هل يحل مشكلة مصر مع الدولار؟

أعلنت مصر استعدادها للتعامل بالعملات المحلية مع شركائها التجاريين، بمن فيهم الصين وروسيا والهند، في مسعى لتقليل الاعتماد على الدولار. وفي مؤتمر صحفي أوضح وزير التموين المصري، علي المصيلحي، السبت، أن القاهرة تدرس جديا الموافقة على عملات شركائها في تجارة السلع الأولية.

وتثير الخطوة تساؤلات حول مدى تأثيرها على الاقتصادي المصري في أزمة الديون والتضخم التي يعاني منها.

يقول الخبير الاقتصادي، مصطفى بدرة، لموقع “الحرة” إن مساعي مصر لاستبدال جزء من تعاملاتها التجارية بعملات أخرى غير الدولار يعتبر من الخطط طويلة الأجل ولا يمكن الاعتماد عليها لحل الأزمة الاقتصادية الراهنة.

وأضاف أن الأمر يحتاج لسلسلة من الخطوات، أبرزها أن الدول الأخرى تحتاج لمعيار واضح لتقييم العملة المصرية، سواء بالاعتماد على الذهب أو الدولار أيضا.

وأوضح أن الدول ذات الاقتصادات الجيدة والمستقرة مثل السعودية والإمارات بدأت في تنفيذ مثل هذه الإستراتيجية، واستبدلت جزءا من تعاملاتها التجارية بعملات أخرى محلية بخلاف الدولار مثل اليوان الصيني والروبل الروسي.

لكنه أشار إلى أن الوضع في مصر مختلف عن الخليج، لأنها تعاني من أزمة عجز شديدة، أبرزها الديون الخارجية، ولذلك يجب أن تحسن مصر وضعها في هذا الأمر أولا حتى تتشجع الدول لوضع ثقتها في الجنيه المصري.

ومع ذلك، يؤكد بدرة أن هذه الخطوة إذا نجحت مصر في تنفيذها سيكون لها آثار إيجابية سريعة، بمعنى أن مصر تعتمد على استيراد القمح من روسيا، وإذا نجحت في اعتماد الروبل بدلا من الدولار، على سبيل المثال، سيُقلل هذا الأمر من ضغط نقص الدولار في مصر.

وأوضح الخبير الاقتصادي، عماد عبدالحليم، في حديثه لموقع “الحرة” أن هذا التفكير من جانب الحكومة يعتبر خطوة جيدة ستحد من أزمة نقص الدولار، لكن الواقع الاقتصادي يقول إن مصر لن تستطيع الاستغناء كليا عن الدولار.

وتابع بدرة أن مصر تستورد سلعا بقيمة 100 مليار دولار سنويا، لكن الصادرات المصرية في حدود 40 مليار دولار، موضحا أن الفارق البالغ 60 تغطيهم مصر من عدة جهات أهمها تحويلات المصريين في الخارج المقدرة بحوالي 30 مليار دولار، والسياحة بمبلغ 13 مليار دولار، والتحويلات الخارجية بـ7 مليار دولار.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن مصر يدخلها دولارات من عدة مصادر، لكن المشكلة أن الصادرات لن تستطيع أن توفي الواردات، لذلك تعاني مصر من أزمة عجز في الميزان التجاري مدفوعا بنقص الدولار.

وإذا استطاعت مصر، وفقا لبدرة، أن تخصص مبلغ 20 دولار من الـ100 مليار دولار للتعامل بعملات دول أخرى بخلاف الدولار من خلال صفقات استثمارية ومعاملات تجارية متكافئة، فهذا يعني أنه يمكن السيطرة ولو جزئيا على أزمة نقص الدولار التي تعاني منها مصر.

وقال الخبير الاقتصادي، غريغوري أفتنديليان، لموقع “الحرة” إن مصر تعاني من أزمة اقتصادية خانقة يعمقها نقص الدولار، وتفكيرها في التعامل التجاري بعملات أخرى ولو جزئيا يعتبر خطوة إيجابية قد تساعدها على المدى القصير على الأقل.

وأضاف أن دولا مثل الصين وروسيا تريد زيادة نفوذها الاقتصادي والسياسي في منطقة الشرق الأوسط، ومصر لا تزال مهمة بالنظر لموقعها الاستراتيجي، ولذلك قد تسعى هذه الدول لتذليل الصعوبات التي تعيق تطبيق التعامل بعملاتها مع مصر.

وتحدث الاقتصادي الأميركي عن اختلاف الوضع بالنسبة لدول الخليج مقارنة بمصر، موضحا أن السعودية والإمارات على سبيل المثال لديهما فائض في الدولار، لكنهما أعلنا تخصيص جزء من تجارتهما بعملات الصين وروسيا والهند كنوع من المناورات السياسية ضد بعض القرارات الأميركية التي لا يتفقون معها.

وبشكل عام، يرى أفتنديليان أن الدولار سيظل العملة الأقوى والأساسية في التعاملات الاقتصادية في العالم، لكن لا يوجد ضرر من قيام دول مثل مصر بحل جزء من أزمتها باللجوء إلى عملات أخرى.

وتعاني مصر، وهي من المشترين الرئيسيين للسلع الأولية، من أزمة خانقة في العملة الصعبة أدت إلى انخفاض الجنيه بنسبة تقارب 50 في المئة مقابل الدولار وكبح الواردات، ودفعت التضخم في المدن المصرية إلى 32.7 في المئة، في مارس الماضي، وهو ما يقترب من أعلى معدل للتضخم على الإطلاق، وفقا لوكالة “رويترز”.

من جانبه، استبعد أستاذ الاقتصاد، على الإدريسي، في حديث لموقع “الحرة”، أن تتمكن مصر من التخلي كليا عن الدولار، لكنها تحاول تخفيف الطلب عليه، بحسب قوله.

وأوضح أن الدولار الأميركي يمثل نحو 87 في المئة تقريبا من التعاملات الدولية، وبالتالي فإن تخفيض الطلب على الدولار في مصر قد يُحدث نوعا من السيطرة على سعر الصرف الدولار محليا والقضاء على السوق الموازية للدولار، وهذه الخطوة تعتبر مفيدة لجميع الأطراف، وعلى رأسها روسيا التي تشهد عقوبات اقتصادية من جانب واشنطن والاتحاد الأوروبي.

وأصبحت هيمنة الدولار المستمرة منذ عقود موضع تساؤل خلال الشهور القليلة الماضية مع سعي تجار النفط العالميين إلى الحصول على مدفوعات بعملات أخرى غير الدولار، وفقا لوكالة “رويترز”.

وكان ذلك التحول مدفوعا بالعقوبات الغربية على روسيا، كما في دول مثل مصر التي تعاني من شح في الدولارات، بحسب الوكالة.

وأدرجت روسيا هذا العام الجنيه المصري على قائمة العملات الأجنبية التي يحدد بنك روسيا المركزي سعر الصرف الرسمي لها مقابل الروبل، لكن عددا من التجار المصريين أبلغوا رويترز أنهم لم يبدؤوا بعد في إجراء معاملات بغير الدولار.

وفي السياق نفسه، قال عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع، فرج عبدالله، لموقع “الحرة” إن مصر تسعى للانضمام لمجموعة دول البريكس، التي تضم الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا، بالإضافة إلي عدد من الدول العربية والأفريقية مثل إيران وتركيا، والتي تسعى بشكل جاد لصياغة أطر للتبادل التجاري البيني بين الدول الأعضاء بعملات بديلة للدولار.

وأضاف أن هذه المساعي ليست بجديدة، لكنها ظهرت بشكل واضح وجدي في الفترة الأخيرة نتيجة للضغوط المالية التي تعرض لها عدد من الدول الأعضاء في بريكس وتحديدا روسيا، خاصة بعد العقوبات الأميركية على الاقتصاد الروسي جراء الغزو الروسي لأوكرانيا.

وانضمت مصر إلى بنك التنمية الجديد التابع لتحالف بريكس، رسمياً في نهاية مارس الماضي، بعد تصديق الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، على وثيقة الانضمام التي نشرتها الجريدة الرسمية للبلاد.

وكان البنك، الذي يبلغ رأس ماله نحو 100 مليار دولار، وافق على قبول مصر عضواً جديداً في اجتماعات ديسمبر 2021، ضمن التوسعة الأولى لنطاق انتشار البنك عالمياً، وفقا لوكالة “فرانس برس”.

كما أن ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأميركية، وفقا لعبدالله، وضع بشكل أو بآخر مزيدا من الضغوط النقدية على دول العالم ومنطقة الشرق الأوسط، ومنها مصر والجزائر والمغرب وتونس، ولذلك يرى أن العديد من الدول بدأت تبحث عن بدائل للدولار لتقليل الضغط علي الطلب عليه ولجذب مزيد من الأموال الساخنة إليها.

وتنفيذ مصر لهذه الخطة، من وجهة نظر عبدالله، له مكاسب إيجابية حتى لو تم بنسبة 5 أو 8 في المئة من المعاملات التجارية، لكنه أوضح أنه نجاحه يعتمد على عدة عوامل أبرزها، مدى قدرة الحكومة على الصمود تجاه الضغوط الأميركية عليها أو العقوبات التي تفرضها واشنطن على إحدى الدول الأعضاء في البريكس وهي روسيا.

عامل آخر تحدث عنه عبدالله لنجاح الإستراتيجية التي تسعى إليها مصر ودول البريكس، وهو مدى استمرار وعمق الأزمة المصرفية في الولايات المتحدة.

وأوضح أن من المتوقع أن يُعلن الفيدرالي الأميركي، خلال اليومين القادمين، رفع أسعار الفائدة على الدولار، وهذا سيكون له آثار سلبية على الاقتصاد المصري، ولذلك يجب أن تسرع مصر من خطواتها لاستبدال جزء من معاملاتها التجارية بعملات أخرى بخلاف الدولار.

وتحدث عبدالله عن عامل الوقت، قائلا إن مصر لا يجب أن تتوقع أن هذه الإستراتيجية ستحل الأزمة الاقتصادية الحالية لديها، موضحا أن تخلي مصر عن الدولار في جزء من معاملاتها لن يحدث بين ليلة وضحاها، وسيستغرق 5 أو 7 سنوات على الأقل، لأن الاحتياطات النقدية في دول العالم تعتمد على الدولار.

  • الحرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى