تونس.. هل يمثل قانون الصرف طوق نجاة للشركات الناشئة؟

تسعى الحكومة التونسية إلى تحسين مناخ الأعمال وتذليل العقبات أمام الأفراد والشركات، وذلك من خلال قانون الصرف الجديد الذي يتم العمل عليه، والذي اعتبره خبراء الاقتصاد ضرورة ملحة في ضوء متطلبات المرحلة، ولمواكبة التطور الواسع، في وقتٍ تواجه فيه تونس صعوبات اقتصادية مختلفة.
انطلقت قبيل أيام، بدار الضيافة بقرطاج، ورشة عمل حول الإصلاحات التي سيتضمنها مشروع قانون الصرف الجديد، وذلك تحت إشراف رئيسة الوزراء، نجلاء بودن. وحدد بيان صادر عن رئاسة الحكومة التونسية، عدداً من الأهداف التي يسعى قانون الصرف تحقيقها، بما يصب في صالح عملية الإصلاح الاقتصادي؛ وأهمها:
* تنقيح منظومة الصرف وإقرار مبدأ مواصلة اتجاه التحرير التدريجي، من أجل بلوغ مرحلة التحرير الكلي للعلاقات المالية مع الخارج مع المحافظة على التوازنات الاقتصادية الكلية.
* يأتي المشروع في إطار تحسين مناخ الأعمال والعمل على مواكبة القانون للتطور الذي شهدته مختلف التشريعات الوطنية الأخرى، وكذلك التشريعات الدولية.
كما يأتي القانون الجديد استجابة لمتطلبات الأفراد و المؤسسات المختلفة؛ من أجل تبسيط الإجراءات، بما يُمكن من رفع العوائق العملية التي تواجه المؤسسات التونسية في علاقتها المالية والتجارية مع الخارج، طبقاً للبيان الحكومي.
عراقيل تعيق الاستثمار في تونس
يقول الخبير الاقتصادي التونسي، عز الدين سعيدان، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن كل التحليلات تُبين أن من أهم معوقات عملية الاستثمار في تونس ونجاح المؤسسات الناشئة بشكل خاص هو قانون الصرف الذي تجاوزه الزمن منذ سنوات عديدة.
ويشير إلى أن “قانون الصرف التونسي تمت المصادقة عليه في العام 1976 وكان مقتبساً في ذلك الوقت من قانون الصرف الفرنسي الذي يعود للعام 1946، كما أن بعض التنقيحات التي أدخلت على القانون منذ ذلك التاريخ لم تكن كافية”، مشدداً على أن “الكل يتفق على ضرورة إعادة النظر تماماً في هذا القانون حتى نزيل عقبة من أهم عقبات تطور الاستثمار في تونس وإنقاذ الاقتصاد الوطني الذي أصبح يمر بظروف صعبة جداً”.
لكنه في الوقت نفسه وبخصوص المشروع الذي تتم مناقشته، يقول سعيدان: “بعد الإطلاع على بعض التفاصيل المقترحة يبدو أننا لن نتقدم كثيراً؛ إذ أن هذا القانون ربما يزيد من سلطات البنك المركزي ومراقبته لكل العمليات ولا يأتي بالجديد فيما يخص تحرير العملة الوطنية أو التقدم إلى رفع عديد من العراقيل المسبقة، حتى نغير أوضاع الاستثمار في تونس، خاصة أوضاع المؤسسات الناشئة التي أصبحت تغادر البلد حتى تتمكن من النجاح في بلدان أخرى في أوروبا والولايات المتحدة وغيرها”.
ويستطرد سعيدان قائلاً: “نتمنى أن تكون هذه المراجعة الحالية فرصة حقيقية لتحقيق نقلة نوعية فيما يخص عراقيل قانون الصرف.. وهذا لا يعني أننا نطالب برفع كل التراخيص والرقابة المسبقة واللاحقة للبنك المركزي، لكن لابد من التشديد على ضرورة إزالة كل العراقيل أمام عملية الاستثمار”.
أزمات اقتصادية
وتواجه تونس أزمات اقتصادية حادة، مدفوعة بجملة من العوامل الداخلية والخارجية المتلاحقة، تعبر عنها المؤشرات الاقتصادية بالبلد الذي يعاني من “مخاطر مالية عالية” مع نظرة مستقبلية سلبية، في ضوء حالة الاختناق التي يشهدها في الوقت الراهن، وبما يرفع حجم الضغوطات الملقاة على كاهل المواطنين.
وكانت وكالة موديز، قد خفضت أخيراً التصنيف السيادي لتونس من CAA1 إلى CAA2 مع آفاق سلبية، في ضوء المخاطر المرتبطة بعدم المقدرة على الوفاء بالالتزامات المالية وسداد الديون الخارجية.
ومع عدم التوصل إلى اتفاق لتوقيع البرنامج التمويلي مع صندوق النقد الدولي، أشار تقرير موديز الأخير الذي دق ناقوس الخطر بشأن الديون الخارجية للبلاد ومدى قدرة تونس على الوفاء بالتزاماتها، إلى تعرض احتياطي البلد من النقد الأجنبي لضغوطات متزايدة.
تحرير سعر الصرف
على الجانب الآخر، يشير استاذ الاقتصاد بكلية العلوم الاقتصادية والتصرف بنابل، الخبير الاقتصادي التونسي، رضا الشكندالي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن القانون الجديد ينبغي أن يأتي في سياقات بعيدة عن فكرة فتح المجال أمام تحرير تام لسعر الصرف، على حد قوله.
ويردف: “نعتقد بأن هذا القانون سوف يسير في اتجاه تسهيل فتح حسابات بالعملة الصعبة بالنسبة للمواطنين التونسيين العاملين في الخارج، والذين لهم إسهامات كبيرة، بشكل خاص في العامين الماضيين على مستوى المدخرات، فاقت إسهامات قطاع السياحة.. وتسهيلات أخرى للشركات (بخصوص التحويلات المالية)”.
* بلغت إيرادات قطاع السياحة في تونس للعام 2022 حوالي 4.2 مليار دينار، لتسجل ارتفاعاً نسبته 83 بالمئة عن العام 2021.
* ارتفعت تحويلات العاملين بالخارج لتبلغ 8.4 مليار دينار في 2022 (طبقاً للبيانات الصادرة عن البنك المركزي التونسي) مسجلة ارتفاعاً نسبته 12 بالمئة عن العام 2021.
ويتابع الخبير الاقتصادي التونسي، قائلاً: “كما أعتقد بأن القانون سيسير كذلك في اتجاه تقديم تسهيلات للمؤسسات والشركات التي تُصدِّر منتجاتها للخارج، لجهة تيسير استخدام العملة الصعبة والحصول عليها لتتمكن من توريد المواد الأولية اللازمة للإنتاج، وبما ينعكس على دعم الاقتصاد التونسي وتوفير العملة الصعبة”.
- سكاي نيوز