هل تَصْدُق الدراسات المستقبلية أم أنها مجرد تكهنات؟

تنتشر الكثير من التكهنات حول مصير ما يحدث في العالم من تطورات، الأمر الذي يشغل بال الكثيرين بين الحين والآخر، بالتزامن مع تداول معلومات وأنباء قد تكون في مجملها خاطئة.
بيد أنه في المقابل، يقوم علم “الدراسات المستقبلية” على التنبؤ بماء هو آت وفق أسس علمية ومنهجية، لكنه علم ما زال قليل التطرق عربيا مقارنة بما يحدث في الغرب.
وبينما صادفت الحقيقة تنبؤات العديد من تلك الدراسات بعد مرور عشرات السنين عليها، فإنها خالفت توقعات أخرى.
إلى ذلك، يبقى الباحثون المتخصصون في هذا المجال ينشرون توقعاتهم بشأن الأحداث حول العالم وينتظرون مقارنتها مع الواقع بعد عدة سنوات.
ويُقدم أستاذ الدراسات المستقبلية في جامعة اليرموك الدكتور وليد عبد الحي، نظرة سريعة حلو هذا العلم وأهدافه وآلية عمله.
كيف يتم إعداد دراسة مستقبلية؟
قال عبد الحي إن الدراسات المستقبلية علم له هدف محدد، وهو عرض كافة الاحتمالات المستقبلية لأي ظاهرة، ثم الترجيح بين كل هذه الاحتمالات من الأقوى إلى الأضعف.
وأضاف عبد الحي في حديثه لـ”الغد”، أن هذه الدراسات لها تقنيات ومعادلات رياضية، إذ يدخل بها علم الإحصاء وعلم المنطق، إلى جانب التخصص المرتبط بالظاهرة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية أو غير ذلك.
وتابع: “بالتالي فإن الدراسات المستقبلية قائمة على التقنيات (لدراسة المؤشرات التي تتناول الظاهرة) والتخصص العلمي، ولا علاقة لها بالتكهنات نهائيا”.
وأشار إلى دراسة عن دونالد ترامب نفذها 35 أستاذا أميركيا في علم النفس، عندما ترشح ترامب للانتخابات، بحيث درسوا شخصيته منذ طفولته ولحين فترة الترشح.
وأردف عبد الحي: هؤلاء الباحثين درسوا سلوك ترامب الإنساني وسلوكه مع زوجته وأبنائه وأصدقائه والموظفين في الشركات التي يديرها وسلوكه مع الأشخاص الذين يتعامل معهم في التجارة والسياسة وسلوكه في الحزب الجمهوري.
واستكمل: كما درسوا طفولته؛ بما في ذلك فترة الرضاعة؛ لتسجيل درجة الحرمان لديه، وما إذا كان قد أُصيب بأمراض خلال الطفولة وطبيعتها؛ لأن الأمراض تعمل على تخزين آلام وحزن في اللاوعي لدى الإنسان.
وزاد: كما درسوا مرحلة الصديق الوهمي في طفولة ترامب، ثم المراهقة، ثم النضج، ثم مرحلة الجامعة ومستواه الدراسي، وما إلى ذلك.
وبين أستاذ الدراسات المستقبلية أنه بعد ذلك، عمل الباحثون على تركيب تلك المؤشرات عن طريق تقنيات الدراسات المستقبلية؛ لمعرفة كيف سيتصرف ترامب كرئيس دولة في كل موقف، وبالفعل عند مقارنة نتائج تحليلهم مع ما حدث بعد تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة، تطابق الواقع مع ما يزيد على 95% من النتائج التي خرجوا بها.
ولفت إلى أن الدراسة المتعلقة بترامب تشكل ظاهرة فردية، وبالتالي فإن البيئة الخاصة به تكون محدودة، على عكس الظواهر المتعلقة بالدول والعالم.
ويعد الدكتور وليد عبد الحي من القلائل الذين برزوا في علم “الدراسات المستقبلية” سواء في الأردن أو العالم العربي.
وأوضح أنه لدراسة مصير الحرب الروسية الأوكرانية على سبيل المثال، سيكون هناك عشرات المؤشرات والتي يجب دراسة تأثير كل منها على الآخر؛ لمعرفة المؤشر الأكثر تأثيرا على المؤشرات المتبقية ومعرفة الأكثر تأثرا بالمؤشرات الأخرى.
وأشار عبد الحي إلى أن ما يهم الباحث هو المؤشر الأكثر تأثيرا على العوامل الأخرى؛ لأن التحليل فيما بعد يعتمد عليه.
وأضاف: بعد دراسة المؤشرات وتأثيرها على بعضها البعض، لا بد من قياس سرعة التغير في هذه المؤشرات؛ فعلى سبيل المثال إذا كان العامل يتعلق بالسلاح، ندرس تطور السلاح منذ البداية والفترة الزمنية بين كل اختراع جديد وما سبقه.
وأردف: أول سلاح للإنسان كان يديه، ثم استخدم الحجارة المسنونة بعد نحو 2700 سنة، ثم انتقل إلى السيف في غضون فترة أقل، ثم الرمح، ولوحظ أن المسافة بين كل اختراع جديد والذي يسبقه أقل مع تقدم الزمن.
تقنيات خاصة
وفي ما يتعلق بالتقنيات الخاصة بالدراسات المستقبلية، ذكر أستاذ الدراسات المستقبلية أنها تصل إلى نحو 25 تقنية؛ أبرزها دلفي، دولاب المستقبل، مصفوفة التأثير المتبادل، تحوّل المسلمات، التنبؤ التكنولوجي، معامل الارتباط، الانحدار، المنحنى السوقي، السلاسل الزمنية، التسلسل العملياتي، المنحنى الجامع.
وشدد على أن الباحث إذا لم يعرف كل تقنيات الدراسات المستقبلية لن يتمكن من إعداد أي دراسة، فلا بد من استخدام التقنيات جميعها، علما أن دراسة تخصص الدراسات المستقبلية تستغرق 3 أعوام.
تخصص غائب عربيا
وأكد أن الدراسات المستقبلية تتطلب جهدا غير عادي، وإتقانا للتقنيات، وهي أصبحت تُدرّس كتخصص في الجامعات حول العالم لدرجة البكالوريوس والماجستير والدكتوراة.
ولفت إلى أن الدراسات المستقبلية لا تُدرّس كتخصص جامعي في أي دولة عربية، وإنما مجرد مساق دراسي.
88 % صحة الدراسات المستقبلية
وحول مدى صحة تنبؤات الدراسات المستقبلية، قال إن نسبة الصحة في الدراسات المستقبلية المستندة للتقنيات الخاصة والمُعَدَّة من باحثين متخصصين في الدراسات المستقبلية بلغت 88%، حسب أحدث إحصائية للجمعية العالمية للمستقبل في العام 2021.
وأشار إلى أن نسبة الصحة في هذه الدراسات كانت 71% في العام 1990، وهذا مؤشر مهم، يدل على تقدم الدقة في الدراسات المستقبلية خلال 31 سنة.
وأكد أن الباحثين ما زالوا يحاولون تطوير الدراسات المستقبلية، وفي حال وجود أخطاء تتم مراجعتها ومعرفة السبب حتى لا يقعوا بها في الدراسات الأخرى.
يُشار إلى أن أول من استخدم مصطلح “علم المستقبل” هو المؤرخ الألماني أوسيب فلنختاهيم عام 1930، تحت اسم “Futurology” وهو الاسم الشائع للدراسات المستقبلية في اللغة الإنجليزية، ويقابله المصطلح “Prospective” للعالم الفرنسي جاستون برجيه، كما يُطلق عليها في بعض الأحيان “A Future studies”.
ويتقارب مفهوم الدراسات المستقبلية مع غيره من المفاهيم؛ كالتخطيط الاستراتيجي، التنبؤ، والاستشراف.
- شروق البو- الغد