هبوط الجنيه المصري..”ضغوط جديدة” على المواطن

توقعات متباينة عن مستقبل الجنيه المصري في مواجهة الدولار الأميركي، وسط أحاديث عن “استقرار أو تعافي”، وترجيحات أخرى تلمح إلى مزيد من الانخفاض، فيما يشير خبراء تحدث معهم موقع “الحرة” للسيناريوهات المتوقعة.
3 سيناريوهات
الاثنين، انخفض سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار في بعض البنوك المصرية، بالتزامن مع انتهاء الإجازة الأسبوعية والعطلة الممنوحة بمناسبة عيد الميلاد وعودة العمل بالبنوك.
وارتفع سعر الدولار مقابل الجنيه في البنك الأهلي ليسجل 27.25 للشراء، و27.3 للبيع، في حين استقر سعر الدولار اليوم في البنك المركزي ليسجل 27.01 للشراء، 27.11 للبيع، وفقا صحيفة “المصري اليوم”.
ويشير تقرير صادر حديثا عن بنك “HSBC Global Research” إلى احتمالية انخفاض الجنيه مرة أخرى أمام الدولار لتسجل العملة المصرية ما بين 30 إلى 35 أمام العملة الأميركية.
لكن على جانب آخر، توقع رئيس اتحاد بنوك مصر، محمد الأتربي، “ثبات أو انخفاض” سعر الدولار أمام الجنيه خلال “الفترة المقبلة”.
وفي مداخلة هاتفية، السبت، قال الأتربي “من الوارد ثبات أو انخفاض سعر الدولار خلال الفترة المقبلة”، مضيفا أن “الأمر يتعلق بالعرض والطلب وإذا لبت البنوك طلبات العملاء فمن المؤكد انخفاض الدولار”.
ولذلك يتحدث الخبير في الشؤون الاقتصادية، أبوبكر الديب، عن 3 سيناريوهات تنتظر الجنيه المصري خلال العام 2023.
وفي تصريحات لموقع “الحرة”، يشير الديب إلى أن أول هذه السيناريوهات و”أكثرها واقعية” يتمثل في “ارتفاع طفيف لقيمة الجنيه” في مقابل الدولار، والعملات الأجنبية.
وعن السيناريو الثاني، يقول الديب “قد يتم السماح بتحرك جزئي بسيط لسعر صرف الجنيه” مقابل الدولار.
ويرى الديب أن “السيناريو الثالث” يتمثل في استمرار تثبيت قيمة الجنيه أمام الدولار، لكنه يرجح السيناريو الأول ويتوقع “انتعاش الجنيه وارتفاع قيمته أمام الدولار”.
لكن على جانب آخر، يتوقع الخبير الاقتصادي المصري، عبدالنبي عبدالمطلب، “مواصلة الجنيه رحلة التراجع أمام الدولار خلال الفترة القادمة”.
وفي تصريحات لموقع “الحرة”، يقول إن “جميع المؤشرات تشير بوضوح إلى أن الأسابيع القادمة سوف تشهد زيادة في تراجع الجنيه أمام الدولار”.
ومن المتوقع أن يكسر الدولار حاجز الـ 30 جنيها بنهاية هذا الأسبوع، وفقا لحديث عبدالمطلب.
وحسب عبدالنبي فقد “يستمر انخفاض الجنيه بشكل تدريجي خلال الشهرين القادمين ليلامس حاجز الـ35 جنيها لكل دولار”.
ويشير إلى “اتجاه قوي لصعود الدولار في الفترة القادمة”، ويقول” سوف يستمر هذا الاتجاه حتى يصل إلى نقطة الذروة، وهي في اعتقادي 35 جنيه مقابل الدولار الواحد”.
وإذا تمكنت الحكومة من اتخاذ تدابير من شأنها زيادة مواردها من النقد الأجنبي وتقليل استخداماتها منه فقد يستقر سعر صرف الدولار عند مستوى الـ 35 جنيها، وفقا لعبدالمطلب.
تخفيض جديد أم سعر صرف مرن؟
كان الجنيه ثالث أسوأ عملة أداء في العالم بعد الروبية السريلانكية والبيزو الأرجنتيني، حيث بلغ التضخم ما يقرب من 19 بالمئة في نوفمبر الماضي ويتوقع الاقتصاديون أن يرتفع إلى 25 بالمئة بحلول مارس، وفقا لصحيفة “وول ستريت جورنال”.
ولا يتجاوز الاحتياطي النقدي لدى القاهرة 33,5 مليار دولار، من بينها 28 مليار دولار ودائع من دول الخليج، لكن ديون مصر الخارجية تضاعفت بأكثر من ثلاث مرات في السنوات العشر الأخيرة لتصل الى 157 مليار دولار.
وبطلب من الدائنين، “خفضت” مصر قيمة عملتها عام 2022 بنسبة 57 بالمئة، وفقا لـ”فرانس برس”.
وخفضت مصر خلال أقل من عام، قيمة عملتها المحلية ثلاث مرات وكانت البداية في مارس، ووقتها انخفض الجنيه من مستويات 15.77 جنيه للدولار إلى مستويات 19.7 جنيه للدولار بتراجع 25.4 بالمئة.
وكان التخفيض الثاني، في أكتوبر 2022، وانخفض الجنيه من مستويات 19.7 جنيه للدولار إلى مستويات 24.7 جنيه للدولار بتراجع 25.4 بالمئة.
والأربعاء، انخفض الجنيه أمام الدولار بنحو 6.34 بالمئة، والخميس، تراجعت العملة المصرية بنحو 2.3 بالمئة مقابل العملة الأميركية، وأغلق الجنيه عند ٢٧.٠٧٦ للدولار، وفقا لـ”البنك المركزي المصري”.
ويعد ذلك “ثالث انخفاض فعلي” لقيمة الجنيه في أقل من عام، وفقا لـ”رويترز”.
وبذلك يكون قد الجنيه انخفض بنسبة 70 بالمئة تقريبا في أقل من عشرة أشهر، وفقا لـ”فرانس برس”.
ورغم الانخفاض، مازال هناك فجوة بين سعر الدولار في السوق الرسمية والموازية التي يطلق عليها “السوداء”، ما دفع البعض للحديث عن “تخفيض متوقع جديد لقيمة الجنيه”.
ويبلغ سعر الدولار لدى تجار “السوق السوداء” 30.5 جنيه، وفقا لـ”رويترز”.
لكن عبدالمطلب يستبعد “سيناريو التخفيض أو التعويم الجديد”، ويقول “لا أعتقد أنه سيكون هناك تعويما بالمعنى العلمي لمصطلح التعويم”.
ووفقا لحديثه فسيكون هناك سعر صرف مرن، يتحدد طبقا لآليات “العرض والطلب”، وسط “تدخلات مستمرة” من قبل البنك المركزي المصري لمنع “الانهيار أو السقوط الحر للجنيه”.
وبدأ نظام سعر الصرف المرن في مصر “فعليا” وسوف يستمر لحين وصول سعر الدولار إلى “أعلى نقطة”، والمقدرة بـ35 جنيها للدولار، وفقا لحديثه.
ويتفق معه أبوبكر الديب الذي يستبعد “تخفيض أو تعويم الجنيه خلال الفترة القادمة”، ويقول “الحكومة المصرية اتبعت سعر الصرف المرن وبالتالي يمكن أن يزيد الدولار حسب العرض والطلب”.
وكانت مرونة سعر الصرف مطلبا رئيسيا لصندوق النقد الدولي الذي وافق على حزمة إنقاذ مالي لمصر مدتها 46 شهرا بقيمة 3 مليارات دولار، وفقا لـ”رويترز”.
ضغوط جديدة على المواطن؟
يعاني المصريون بشدة من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بلادهم فيما ترزح تحت عبء الديون، وفي بلد يستورد غالبية احتياجاته من الخارج وشهدت فيه أسعار الفائدة ارتفاعا بمقدار 8 بالمئة في 2022، كان التأثير فوريا اذ بلغت نسبة التضخم 18,7 بالمئة، وفق الأرقام الرسمية.
وارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل اللحوم والملابس والنقل والأدوية في مصر مع انخفاض قيمة الجنيه المصري بنسبة 36.5 بالمئة العام الماضي مقابل الدولار الأميركي، حسب “وول ستريت جورنال”.
وإذا كانت الأسعار ترتفع، فأحد الأسباب هو عجز المستوردين عن الحصول على الدولارات اللازمة من المصارف، حسب “فرانس برس”.
ولذلك يؤكد عبدالمطلب أن “انخفاض قيمة الجنيه تؤدي إلى ارتفاع أسعار كافة السلع”.
ويؤدي خفض الجنيه لزيادة أسعار السلع سواء كانت مستوردة أو يدخل ضمن إنتاجها خامات أو مكونات أو مستلزمات إنتاج يتم استيرادها من الخارج، وفقا لحديثه.
ويقول إن “كافة أسعار السلع التي يتم تصنيعها محليا بالكامل سوف ترتفع أيضا”.
وبالتالي سوف ترتفع أسعار نسبة كبيرة من الخدمات وفي مقدمتها الخدمات الصحية وخدمات الاستشارات والشحن والتفريغ، ما سوف يعكس “سلبا” على المواطن المصري ويزيد من “حجم وكم” إنفاقه على السلع الأساسية، وفقا لعبدالمطلب.
ويؤكد الديب أن “المواطن المصري سوف يتعرض للمزيد من الضغوط خلال الفترة القادمة”، لكنه يشير إلى عدة إجراءات قد “تخفف” من تلك الضغوطات الاقتصادية.
حلول ممكنة
يشيرعبدالمطلب لأهمية “إصدار الحكومة المصرية مجموعة من القرارات التحفيزية” لمواجهة تداعيات الصعود المتوقع للدولار.
وتحدث عن “إصدار شهادات ادخار دولارية بعائد قد يغرى حائزي الدولار للاكتتاب فيها”، ويقول “عند هذه النقطة يمكن الحديث عن عودة الدولار للانخفاض من جديد”.
من جانبه يؤكد الديب أهمية جذب الدولار من المصريين بالخارج، من خلال تيسير الحكومة حصولهم على عقارات وتراخيص المشروعات، فضلا عن دعم قطاع السياحة من خلال حملات ترويجية بالخارج للمعالم المصرية.
وتحدث عن أهمية “التيسير على المستثمرين السياحيين، وتيسير الائتمان الممنوح لهم، وتسهيل إجراءات الاستثمار لجذب مشروعات جديدة وبالتالي توفير عملة صعبة”.
ويجب السيطرة على سوق الصرف من خلال طرح شهادات ادخار مرتفعة العائد لأجل قصير لجذب مدخرات المواطنين وبالتالي تخفيف الضغط على العملات الأجنبية وتدبير احتياطي من النقد الأجنبي لتلبية الطلب على الدولار ووقف المضاربات عليه، وفقا للديب.
وطالب بتشكيل فريق عمل وزاري بالتعاون مع خبراء اقتصاديين، لبحث أسباب المشكلة، ووضع حلول لها، وضرورة الاعتماد على مدخلات إنتاج محلية، لتلبية احتياجات الصناعة المصرية، دون الحاجة للاستيراد من الخارج بالعملة الصعبة.
ويشير إلى ضرورة فرض عقوبات صارمة على سوق الصرف السوداء للدولار، وزيادة الفائدة على المدخرات بالدولار، وتغير سعر الصرف على فترات طبقا للظروف الاقتصادية.
- الحرة