تحذيرات من الأسوأ.. ماذا فعل الغاز بالعالم في 2022؟

كان الغاز عنوانا بارزا عام 2022، بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، مما أدى إلى أزمة طاقة في أوروبا من ناحية، وزيادة في صادرات دول الشرق الأوسط، تسببت في ارتفاع إيرادات دول، من ناحية أخرى.
فقد أدت أزمة الطاقة هذا العام إلى ارتفاع فواتير الوقود للأسر في أوروبا وأجبرت المصانع على الإغلاق مؤقتا لتجنب تكاليف الغاز الباهظة، بعدما تقلصت شحنات الغاز الروسية الغاز إلى أوروبا بعد غزوها لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي.
وفي يوليو، وافقت الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، على خفض استهلاكها من الغاز. وتقترح المفوضية الأوروبية وضع “أهداف ملزِمة” لتقليل الطلب على الكهرباء مع تخفيض لكل بلد “بنسبة عشرة بالمئة على الأقل للاستهلاك الشهري الصافي” و”خمسة بالمئة على الأقل” خلال ساعات الذروة.
وبعد أيام قليلة من الغزو الروسي لأوكرانيا، وبالتحديد في السابع من مارس الماضي، وصل سعر الغاز عالميا إلى رقم قياسي عند 345 يورو لكل ميغاوات/ ساعة، ثم انخفضت، قبل أن ترتفع إلى هذا الرقم مجددا في أغسطس الماضي.
وتراجعت أسعار الغاز في الأشهر القليلة الماضية مع موافقة التكتل على بعض تدابير الطوارئ، بما في ذلك الالتزام بملء خزانات الغاز، لكن الأسعار مازالت مرتفعة.
يُباع الغاز ويُشترى على منصّات التبادل بسعر الجملة، عبر وسطاء، وأحيانا مباشرة من الصناعيين.
والأربعاء الماضي، بلغت عقود الجملة للغاز على شهر (أي مع تسليم في الشهر التالي) في منصة تداول عقود الغاز الهولندية (تي.تي.إف)، التي تشكّل أسعارها مرجعا للتبادلات في أوروبا، بواقع 99,35 يورو لكل ميغاوات/الساعة، وهذا بالمقارنة مع 95 يورو لكل ميغاوات/الساعة قبل عام، و14.20 يورو لكل ميغاوات/الساعة قبل عامين.
ويرى الخبير الاقتصادي، عبد الرحمن المشهداني، في حديثه مع موقع “الحرة” أن هذه الأسعار المرتفعة والقياسية كانت “نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت على الغاز بدرجة أساسية وعلى مصادر الطاقة والغذاء بشكل عام”.
وقال: “هذه الحرب أثبتت أن روسيا لها دور كبير في ميزان الطاقة العالمي، حيث تنتج 11 مليون برميل، 11 في المئة من حجم الإنتاج العالمي ،وتصدر سبعة ونصف مليون برميل، عدا المشتقات التي تمثل حوالي مليوني برميل، مما يعني أن حصتها أكثر من 15 في المئة من حجم الصادرات العالمية”.
وأضاف أن “روسيا ترتبط بخطوط أنابيب للطاقة تورد وتجهز للاتحاد الأوروبي، ويختلف اعتماد هذه الدول من دولة إلى أخرى، ويمكننا أن نقول إن أقل اعتماد يبلغ تقريبا 15 في المئة، في حين أن دولا أخرى تعتمد على روسيا بنسبة 80 في المئة في مجال الغاز”.
دول مستفيدة
وارتفعت إيرادات قطر من النفط والغاز 67 بالمئة في النصف الأول من عام 2022، مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2021.
وقطر أحد أكبر مصدري الغاز الطبيعي في العالم وحققت مكاسب هائلة بفضل ارتفاع أسعار النفط والغاز عالميا.
وزاد الطلب الأوروبي على الغاز القطري منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. وتوصلت قطر الشهر الماضي لاتفاق لتزويد ألمانيا بمليوني طن من الغاز الطبيعي المسال سنويا لمدة 15 عاما اعتبارا من 2026.
وقدرت قطر إيراداتها من النفط والغاز في 2023 عند 186 مليار ريال ارتفاعا من 154 مليار ريال في 2022.
وبلغت صادرات الجزائر من الغاز في 2022 رقما قياسيا قدره 56 مليار متر مكعب، بحسب ما نقلت قناة النهار التلفزيونية عن مسؤول بوزارة الطاقة منتصف الشهر الجاري.
ونهاية الشهر الماضي، قال وزير البترول المصري طارق الملا إن بلاده صدرت نحو ثمانية ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال في 2022، 90 بالمئة منها لأسواق الاتحاد الأوروبي.
وأضاف الملا خلال افتتاح المؤتمر السنوي الثامن للبترول والغاز المنعقد في القاهرة أن مصر صدرت نحو سبعة ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال العام الماضي، 80 بالمئة منها لأسواق الاتحاد الأوروبي.
ووقّع المستشار الألماني، أولاف شولتس اتفاقا، في أكتوبر الماضي، مع الإمارات العربية المتحدة بشأن إمدادات الغاز الطبيعي المسال، بينما قام بجولة في دول خليجية بحثا عن مصادر جديدة.
ويكلّف استئجار برلين خمس سفن FSRU لربطها بالمحطات الجديدة ثلاثة مليارات يورو (2,9 مليار دولار).
ويرى المشهداني أن أوروبا بدأت تعاقب نفسها عندما فرضت عقوبات على استغلال الغاز الروسي وهي غير مهيأة للبدائل، موضحا أن “عملية تهيئة البديل بالنسبة للغاز ليس بالأمر السهل، ولا يقارن بالنفط”.
ويوضح أنه “بالنسبة للنفط، من السهل، يمكن أن يتم تحويله بالناقلات، لكن الغاز الأمر أكثر صعوبة لأن عملية نقل الغاز إلى أوروبا يمر عبر نحو خمسة أنابيب بشكل مباشر أو غير مباشر سواء عن طريق أوكرانيا أو بلغاريا أو تركيا”.
ويقول: “المشكلة أن الغاز الروسي الذي تصدره لأوروبا هو غاز جاف، والغاز الذي يشحن عن طريق الناقلات هو غاز مسال ولذلك يحتاج إلى معدات لتجفيفه، حيث أن معظم التقنيات في أوروبا تعتمد على الغاز الجاف”.
الأمر الآخر الذي يشير إليه الخبير الاقتصادي، أن عملية نقل الغاز عبر الناقلات البحرية يحتاج إلى أساطيل كبيرة حتى تلبي حاجة أوروبا وحتى تكون بديلا عن الغاز الروسي، “ولذلك أنا أعتقد المشكلة قائمة وستستمر وستحتاج على الأقل سنتين”.
ويقول: على سبيل المثال، فإن خط الغاز بين الجزائر وأوروبا عن طريق إيطاليا سيكون 270 كيلو مترا عبر البحر وهي مسافة كبيرة”.
ويضيف: “نحن نتحدث عن المنتج الأول والمورد رقم واحد بالعالم، حتى إذا تحدثنا عن الجزائر ومصر وإسرائيل، فهذه الدول مجتمعة لا تشكل ربما إلا أقل من خمسين في المئة مما تنتجه روسيا”، مضيفا أنه “لا يوجد بديل كامل للغاز الروسي خلال المرحلة الحالية، نحتاج إلى وقت حتى يمكن أن يكون هناك بديل، أو التحول نحو مصادر أخرى للطاقة”.
لكن في إطار بحثها عن مصادر بديلة، أنفقت الحكومة الألمانية المليارات على خمسة مشروعات، يفترض أن يكون بإمكانها التعامل مع كمية إجمالية من الغاز تبلغ حوالى 25 مليار متر مكعب في السنة، وهو ما يعادل تقريبا نصف القدرة الاستيعابية لخط أنابيب نورد ستريم 1.
من بين هذه المشروعات، أول محطة في البلاد لاستيراد الغاز الطبيعي المسال بالقرب من ميناء فيلهمسهافن.
وتقدّمت أعمال البناء بسرعة مفاجئة نظرا لأهمية المحطة الاستراتيجية، حيث من المقرر أن ينتهي العمل منها هذا الشتاء. وسيصبح بإمكان المنصة قريبا توفير ما يعادل 20 في المئة من الغاز الذي كان يتم استيراده من روسيا.
“لولا الصين”
ورغم هذا الحد من السعر الذي يعتبر كبيرا، فإن المشهداني يعزو تراجع أسعار الطاقة عموما خلال العام بعد ارتفاعها لأرقام قياسية، إلى الظروف الصحية، والإغلاقات التي شهدتها الصين”.
وقال “هذا هو السبب الأساسي لانخفاض أسعار النفط والغاز وإلا كنا سنشهد أسعارا أعلى بكثير. ولو كان هناك انفتاح في الصين واستهلاكها بالكميات السابقة فلن يكون برميل النفط أقل من 130 دولار، مع العقوبات المفروضة على روسيا”.
ورغم أن الصين تراجعت عن سياسة “صفر كوفيد” في السابع من ديسمبر الجاري، فإن “كل المؤشرات إلى أن الحظر الصحي بدأ يعود طوعا من السكان أنفسهم نتيجة تفشي الإصابات بكورونا”.
أزمة في عام 2023
ويرى المشهداني أن “الأزمة بالتأكيد ستكون العام المقبل، لأن أي عملية ربط قد تحدث على سبيل المثال من الجزائر أو نيجيريا أو إسرائيل أو مصر، فإنها تحتاج على الأقل من سنتين إلى 3 سنوات حتى يدخل المشروع في مرحلة التجريب وليس مرحلة الإنتاج الفعلي، وهي مدة ليست بالقصيرة”.
ويقول المشهداني إن “التوقعات تشير إلى زيادة في أسعار النفط في الربع الأول من العام المقبل، وسيكون في حدود مئة دولار، وهذا سينعكس على أسعار الغاز التي ستزداد معه أيضا، وبالتالي سيؤثر على ارتفاع معدل التضخم في كل بلدان العالم تقريبا”.
وكانت وكالة الطاقة الدولية، قالت في 12 ديسمبر الجاري إن الاتحاد الأوروبي لديه ما يكفي من الغاز لفصل الشتاء، لكنه قد يواجه نقصا العام المقبل إذا قامت روسيا بقطع مزيد من الإمدادات، وحثت الوكالة الحكومات على التحرك بسرعة أكبر لتوفير الطاقة والتوسع في مصادر الطاقة المتجددة لديها.
ورغم خفض روسيا إمداداتها من الغاز هذا العام، نجحت أوروبا في تجنب حدوث نقص حاد وبدأت فصل الشتاء بخزانات غاز ممتلئة ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى تدابير الاتحاد الأوروبي الطارئة لملء مستودعات التخزين وموجة الطقس المعتدل وأسعار الغاز المرتفعة التي قللت الطلب على الوقود.
لكن العام المقبل قد يشكل اختبارا أصعب من أزمة الطاقة، التي أدت هذا العام إلى ارتفاع فواتير الوقود للأسر في أوروبا وأجبرت مصانع على الإغلاق مؤقتا لتجنب تكاليف الغاز الباهظة.
وقالت وكالة الطاقة الدولية إن روسيا إذا خفضت حصتها الصغيرة من الغاز التي لا تزال تقدمها إلى أوروبا، وانتعش الطلب الصيني على الغاز من أدنى مستوياته حاليا بسبب قيود كوفيد-19، فقد يواجه الاتحاد الأوروبي نقصا في الغاز بمقدار 27 مليار متر مكعب في العام المقبل.
وبلغ إجمالي استهلاك الاتحاد الأوروبي من الغاز العام الماضي 412 مليار متر مكعب.
وقالت الوكالة إنه يمكن تجنب النقص في الغاز الروسي من خلال توسيع نطاق الدعم ووضع مزيد من السياسات لترميم المنشآت التي تستهلك كميات كبيرة من الغاز وتغيير نظم التدفئة القائمة على الوقود الأحفوري لتحل محلها مضخات حرارية وزيادة مصادر الطاقة المتجددة.
وقال بيرول إن هذه المقترحات تتطلب استثمارات بمبلغ 100 مليار يورو، يمكن تعويضه في غضون عامين من خلال خفض فواتير الغاز.
تحديد سقف لأسعار الغاز
دفعت الأزمة، أوروبا إلى اتخذ مسارات عدة، من أهمها تحديد سقف لأسعار الغاز وكذلك النفط.
وفي 19 ديسمبر الجاري، اتفقت دول الاتحاد الأوروبي، على وضع حد أقصى لأسعار الغاز، بعد أن ناقشت لأشهر مدى جدوى الإجراء في دعم أو تثبيط جهود أوروبا للتعامل مع أزمة الطاقة.
والهدف من وضع سقف لسعر الغاز حماية الأسر والشركات الأوروبية من ارتفاع أسعار الغاز الذي عانت منه أوروبا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. وأذكى ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا بلوغ التضخم أعلى مستوياته منذ عقود.
لكن الفكرة أثارت الشقاق في التكتل المؤلف من 27 دولة في ظل خشية بعض الدول، من بينها ألمانيا، أكبر اقتصاد وأكبر مستهلك للغاز في أوروبا، من أن يجعل سقف السعر الحصول على الإمدادات أكثر صعوبة في الأسواق العالمية التنافسية.
بموجب الخطة المتفق عليها، يبدأ تنفيذ سقف الأسعار من 15 فبراير 2023 إذا تجاوزت الأسعار 180 يورو لكل ميغاوات/ساعة لمدة ثلاثة أيام.
وأضاف المشهداني أن اعتماد أوروبا سقفا لتسعير الغاز، قَابَله تهديد روسي بأنها يمكن أن تخفض الإنتاج بحدود 500 ألف إلى مليون برميل نفط يوميا. وهذا إن حدث سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار ستزيد عن المئة دولار للبرميل الواحد”.
وأوضح أنه “إذا أرادت أوروبا أن تطبق هذه السياسة، وامتنعت روسيا عن البيع بهذا السعر سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار وبشكل كبير”، مشيرا إلى أنه “بمجرد اتخاذ القرار وقبل بدء التطبيق ارتفعت أسعار الغاز 2.5 في المئة خلال الأيام القليلة الماضية، وإذا قطعت روسيا الغاز عن أوروبا بشكل تام، فهذا من المؤكد أنه سيرفع الأسعار بشكل كبير أيضا، خاصة أننا في موسم ذروة استخدام الغاز أو النفط مع موجات البرد الشديدة التي تشهدها أوروبا والولايات المتحدة وهذا يدفع الناس إلى استخدام الغاز”.
وأشار إلى أن الدول الأوروبية حاولت تعويض الارتفاعات الكبيرة في أسعار الوقود على حساب موازناتها التي بدأت تتكبد خسائر كبيرة، ألمانيا على سبيل المثال تحملت 440 مليار يورو نتيجة الدعم من أجل المحافظة على أسعار الوقود وهذا نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة.
يتساءل المشهداني عن المدى الذي يمكن أن تتحمله الحكومات في مواصلة الدعم من أجل المحافظة على أسعار الوقود المخفضة، “أنا أعتقد أن أمدها سيكون قصيرا”.
التحول إلى الطاقة المتجددة
تتجه أوروبا بقوة إلى الطاقة المتجددة من بين الاعتماد على مصادر بديلة للغاز والنفط الروسيين.
ويتوقع أن يتجاوز نمو الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح) نمو استهلاك الكهرباء. وفيما يتعلق بمصادر الكهرباء، يتوقع أن ينمو الإنتاج من المصادر المتجددة بأكثر من 10 في المئة في عام 2022، بفضل مستوى قياسي من التركيبات الجديدة.
ومن المتوقع أن ينمو الطلب على الكهرباء هذا العام بنسبة 2,4 في المئة، مقارنة بزيادة قدرها 6 في المئة في 2021، عام التعافي بعد الجائحة، وفق الدراسة. وهذا الرقم يعيد العالم إلى نمو مشابه تقريبًا لما قبل كوفيد.
وتندفع كبرى الشركات الأوروبية نحو إنتاج الهيدروجين الأخضر، إلى جانب الشركات العملاقة للغاز الصناعي مثل الشركة الألمانية “ليندي”، والشركة الفرنسية “اير ليكيد” والأميركية “اير بروداكتس”، بالإضافة إلى الشركات المتخصصة بالطاقات المتجدّدة ومجموعة من الشركات الناشئة.
لكن المشهداني يقول إن التحول إلى الطاقة النظيفة لا يكفي، لأن مصادر التحول إليها حتى عام 2045 محدودة.
- الحرة