اخبار عربيةبيانات ومؤشراترئيسي

ما انعكاسات التشكيك في الدولار القديم في لبنان؟

الاقتصاد اليوم– يسيطر الاضطراب على السوق النقدي في لبنان نظرا لتفلته من الضوابط القانونية، ويعيش سوق الصيرفة منذ أيام قلقا غير مسبوق بعد إثارة الشكوك حول أوراق الدولار البيضاء، التي أصبحت توصف بـ”الدولار القديم”، إن لجهة طبعتها أو لاصفرارها أو لاهترائها جزئيا.

وصار معظم الصرافين يرفضون شراء الدولار الأبيض لمجرد أن طبعته قديمة، ويضعون الزبائن أمام شرطين: إما استبدالها بأوراق دولار أخرى تكون زرقاء (أي طبعة جديدة)، وإما قبولها لقاء عمولة مرتفعة تصل إلى 10% على كل مئة دولار.

ودفعت البلبلة مصرف لبنان المركزي إلى التوضيح أن مواصفات الأوراق النقدية من الدولار القابلة للتداول تحددها هيئة تابعة لوزارة الخزانة الأميركية، كما أصدرت السفارة الأميركية في بيروت بيانا أكدت فيه أن كل تصاميم الاحتياطي الفدرالي الورقية عملة قانونية صالحة للمدفوعات بغض النظر عن تاريخ إصدارها، وتشمل جميع الفئات الورقية من سنة 1914 إلى اليوم.

لكن البيانات الرسمية لم تلجم فوضى السوق النقدي، وهذا ما رصدته الجزيرة نت في بعض محال الصيرفة، ويبرر أصحابها رفض التداول بالدولار الأبيض بعدم الاطمئنان بعد البلبلة، وأن فرض شروط الشراء والبيع للدولار يكفله لهم منطق العرض والطلب، ولأن الطبعة القديمة موجودة بكميات كبيرة بالسوق، بحسب البعض.

ويختلف الخبراء الاقتصاديون في قراءة خلفيات الأزمة المستحدثة، وتمحورت حول عوامل عدة منها:

  • أن شركة “مكتف” اللبنانية لشحن الأموال، وهي تستحوذ على الحصة الكبرى من شحن الدولار إلى الخارج، توقفت عن عملها منذ شهر، بعد القضية التي أثارتها النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون قبل نحو 7 أشهر، باتهام صاحب الشركة ميشال مكتف بتبييض الأموال، وختمت شركته بالشمع الأحمر دون صدور قرار قضائي يمنعه من الشحن إلى الخارج.
  •  بعض الصرافين والتجار يحاولون الاستفادة من عرقلة شحن الدولار إلى الخارج لتحقيق مزيد من الأرباح بفرض عمولات مرتفعة.
  • ثمة كميات كبيرة من الدولار الأبيض مخزنة في منازل اللبنانيين منذ أزمة المصارف (2019) واتخاذها إجراءات غير قانونية باحتجاز أموال الموديعين بالدولار وفرض قيود على سحبها.

ما خلفيات التشكيك بالدولار القديم؟

يعتبر نقيب الصرافين طوني مارون أن من “اخترع أشكال الدولار الأبيض هم أصحاب المصارف لأنهم ضخوا كميات كبيرة منها بالصراف الآلي، وأصبح المواطن يحملها للصرافين ومعظمها أوراق مهترئة”.

وبحسب النقيب، فإن شريحة من المواطنين هرعت لتبديل مدخراتها من الدولار الأبيض، موضحا أن من حق “الصرافين رفض تبديل الأوراق، وطلب عمولة عندما تشكو ورقة الدولار من الاصفرار أو الاهتراء”.

ويوجد في لبنان 263 صرافا قانونيا ينتسبون للنقابة مقابل نحو 150 صرافا غير منتسبين للنقابة، لأن الانتماء إليها غير إلزامي، بحسب مارون.

وهنا جوهر المشكلة برأي خبراء، خصوصا وأن عدد الصرافين غير القانونيين تجاوزوا الآلاف بعد انهيار الليرة، وامتهنها كثيرون بطرق غير قانونية، نظرا لتوفّر تطبيقات التداول إلكترونيا على الهواتف، وسعيا لكسب أرباح طائلة عبر الاتجار بالدولار الذي شحّ في لبنان.

في المقابل، يستغرب الخبير المصرفي والاستشاري في بنك “بيبلوس” اللبناني نسيب غبريل تحميل المركزي والمصارف مسؤولية الاضطرابات التي تشهدها الأسواق، مقابل تنصل السلطة السياسية من مسؤولياتها.

وقال للجزيرة نت إن الدولار بالنسبة للمصارف واحد، ولا فرق بين أبيض وأزرق، مشددا على أن الأوراق التي تضعها بالصراف الآلي لا تشكو من أي مشكلة.

ودعا السلطات واللبنانيين إلى مراقبة ما يقوم به الصرافون غير القانونيين وبعض التجار المستفيدين من انهيار الليرة، محملا إياهم مسؤولية افتعال الاضطراب بالسوق النقدي “لانتزاع الأرباح بالقوة من جيوب المواطنين وعبر رمي الاتهامات على القطاع المصرفي”.

صدمات النقد

يترافق السجال مع مواصلة الليرة تدهورها أمام الدولار، متجاوزة في السوق السوداء الذي يتحكم بالقيمة الفعلية للعملة الوطنية عتبة 26 ألفا للدولار الواحد، في وقت حدد فيه مصرف لبنان المركزي 4 أسعار صرف للدولار:

  • سعر مخصص للمعاملات الرسمية وتسديد القروض ويبلغ نحو 1507 ليرات.
  • سعران مخصصان للسحوبات من الودائع الدولارية في المصارف وفق التعميمين 151 و158 الصادرين عن المركزي اللبناني
  • سعر رابع تحدده منصة “صيرفة”.

وقبل يومين أيضا، أصدر المركزي تعميما عدّل بموجبه التعميم 151 الصادر في أبريل/نيسان 2021، ورفع سعر صرف السحوبات النقدية من الحسابات بالعملات الأجنبية من 3900 ليرة إلى 8 آلاف ليرة، مما شكل ضغطا إضافيا نتيجة ضبابية تنفيذ المصارف للتعميم والخشية من تضخم الكتلة النقدية لليرة، ومزيد من التدهور في قيمتها.

ويتخبط اللبنانيون وسط تعددية سعر صرف الدولار، ويعتبر غبريل أن الضابط الوحيد للسوق النقدي أضحى بإسراع الحكومة مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي الذي يشترط بوضوح توحيد سعر صرف الدولار وتحريره، وتاليا إلغاء السوق السوداء.

صيادو الدولار

يكمن لبّ الأزمة في أن الدولار أضحى سلعة قائمة بذاتها، وهو ما يؤكد عليه خبير المخاطر المصرفية محمد فحيلي، و”المقصود غياب قاعدة واحدة تحكم التداول النقدي في لبنان”. فقد أصبح السوق مساحة لمن يسميهم فحيلي بـ”صيادي الدولار”، وهم مجهولو الهوية وقد يكونون بأعلى الهرم أو أسفله، ويخرقون حتى ضوابط العرض والطلب للعملات “مقابل الغياب المتعمد للسلطات النقدية والسياسية والأمنية والقضائية”.

والمسار النقدي في لبنان يقود، برأي فحيلي، إلى إثارة الشكوك حول أوراق الدولار كسبيل جديد لكسب الأرباح، سواء من المصارف أو الصرافين أو التجار أو شركات شحن الأموال أو شخصيات نافذة أخرى.

يُذكّر الخبير أنه في يونيو/حزيران 2021 ظهرت أيضا أزمة الدولار الأبيض والأزرق في فلسطين المحتلة، وأصدرت حينها وزارة الاقتصاد في غزة توضيحا عن مراقبتها لتمييز بعض الصرافين بين الدولار الأبيض والأزرق.

وأوضح أن توقف شركة “مكتف” عن شحن الأموال دفع بعض المصارف للجوء إلى شركات بديلة للشحن في الخارج تأخذ عمولة أيضا بسنتات بسيطة وأحيانا تُدفع على الوزن.

هذا الأمر، تؤكد عليه الصحافية المتخصصة بالشأن الاقتصادي عزة الحاج حسن، مضيفةً أن توقف شركة “مكتف” عن شحن الدولار منذ شهر دليل إضافي على توقيت البلبلة حول أوراق الدولار، ولا تستبعد أن تكون الشركة نفسها أحد الدافعين لإثارتها بهدف الضغط لرفع القيود القضائية عنها، بحسب رأيها.

وأوضحت أن شحن الأموال عبر هذه الشركة الأكبر كان فوريا وسريعا، والعمولات التي تتقاضها زهيدة جدا، خلافا لما يطلبه الصرافون راهنا من عمولات غير منطقية.

وتجزم أن البلبلة حول أوراق الدولار متعمدة من بعض أطراف الدورة النقدية، وفقا لما جاء في موقع الجزيرة نت

وقالت للجزيرة نت إن الصرافين والتجار وربما المصارف يستغلون الأمر بذريعة مواجهة صعوبات شحن الدولار إلى الخارج بطريقة غير سلسلة وسريعة.

وتجد عزة الحاج حسن أن التمييز بين أوراق الدولار، رغم أنه أقوى عملة في العالم، قد يستمر مدة طويلة في لبنان، نظرا للوصمة التي لحقت بالدولار الأبيض وجعلته موضع شك.

وتتعمق معاناة اللبنانيين نقديا واقتصاديا، وباتوا يعيشون حالة من فقدان الثقة والأمان، وطال هذا الأمر حتى حاملي الدولارات، وفق الصحافية، في حين يخشى الجميع تعاميم ومفاجآت خارج القانون والمنطق العالمي للنقد تجرد المواطنين من المزيد من قيمة أموالهم ومدخراتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى